للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التربية في التخلص من رواسب الماضي]

ثامناً: إن التربية مهمة للتخلص من رواسب الماضي، فإن الإنسان مهما سار في الطريق فلا بد أنه يبقى في نفسه علائق مما مضى من حياته السابقة من جاهليته الماضية ترسبت في نفسه، قد استقرت باللاشعور عنده في تصوراته وخلفياته السابقة، فهي تظهر من حين لآخر، تظهر كأجواء، وتظهر كأهواء وهكذا، وهذه التربية تشذبها وتنقي النفس من الرواسب، لقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف بالآباء، كان على عهده من حلف بالأمانة، كان على عهده من حلف باللات والعزى، من أي شيء حصل؟ من رواسب ماضية وسابقة، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع شيئاً من المنكر أنكره، بعضهم كان يحلف باللات والعزى خطئاً من كثرة ما جرى على لسانه من أيام الجاهلية من هذا الحلف، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله) يكفر بها هذا الفعل، ويربي نفسه ويعودها على عدم العودة لمثل هذا القسم.

حصل في مناسبةٍ من المناسبات خصامٌ بين مهاجري وأنصاري، فقال المهاجري: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار! فتحزبت كل فرقةٍ لصاحبهم، حتى كادت تحصل بينهم مقتلة، وهم من هم؟ الصحابة الكرام رضي الله عنهم.

من أي شيء جاء؟ ومن أين أتى؟ إنه جاء من رواسب ماضية في الجاهلية، كان الثأر يلعب دوره، وكانت العصبية تلعب دورها، ولذلك نزغ الشيطان نزغة، كاد أن يحصل من ورائها شرٌ عظيم، فقام المربي صلى الله عليه وسلم يخطب فيهم، ويقول: (دعوها فإنها منتنة) ويهدئهم حتى كشف الله خطة المنافق، وأفشل كيده، ورده في نحره، فرجع الصحابة رضوان الله عليهم إلى الحق مرةً أخرى.

حصل أن واحداً منهم قال لأخيه: يا بن السوداء! فماذا فعل عليه الصلاة والسلام؟ بين، وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية).

إن من الرواسب: الفخر بالجاهلية، والاستهزاء بعباد الله؛ لأنه أسود، أو لأنه ليس من قبيلة ونحو ذلك من الأمور، ونحن اليوم كم فينا من الرواسب؟ وكم فينا من المخلفات والموروثات الجاهلية؟ شيء كثيرٌ جداً، فما هو الطريق إلى تنقيته، وتهذيب النفس منه، وإخراج هذه الموروثات ليكون محلها مفهومات إسلامية، وتصورات صافية، تسد هذه الثغرات حتى لا يخرج الشر منها مرة أخرى؟ لا يكون ذلك إلا بتربية.