للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء الكعبة]

جاء في بعض الروايات: (أن إسماعيل لما رجع وجد ريح أبيه، فقال: هل جاءكِ أحد -فهذا الذي أشعره بأن أحداً قد جاء، ولذلك سأل- قال: ثم لبث عنهم ما شاء الله -انقطع عنهم ما شاء الله- ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً -أي: يقلم النبل قبل تركيب النصال والريش عليها يبريها- يبري نبلاً له تحت دوحة قريبة من زمزم -دوحة: أي شجرة قريبة من زمزم- فلما رآه -إبراهيم الآن رأى إسماعيل، تقابلا الآن المرة الثالثة- فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد -من الشوق والحماءة واللقاء الحار، اعتناق، ومصافحة، وتقبيل اليد ونحو ذلك.

وفي رواية معمر قال: سمعتُ رجلاً يقول: بَكَيا حتى أجابهما الطير -كان اللقاء حاراً جداً بعد هذه السنوات الطويلة من الفراق- قال عليه الصلاة والسلام: فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد -بعد طول الغيبة كيف يكون اللقاء حاراً وعناقاً ومصافحةً وتقبيلاً! - ثم قال: يا إسماعيل! إن الله أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: وأعينك، قال: فإن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة -هضبة مرتفعة- على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧] قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت -يبني ويدور يبني ويدور- وهما يقولان: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧]) فقيل: إن إبراهيم بلغ أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه ثلاثين ذراعاً -ارتفاع البيت وعرض البيت- وجعل الحجر داخل البيت، الآن الحجر خارج البيت كما قلنا في تفصيل القصة في المرة الماضية: إن الحجر الآن هو جزء من الكعبة، لكنه خارج البيت، وأما إبراهيم الخليل فعندما بناها كان الحجر هذا كله داخل البيت (وكان إبراهيم يقوم على المقام -الذي جاء له به ولده- ولما جاء موضع الركن وضع فيه هذا الحجر الأسود الذي نزل من الجنة -قيل: أتاه به جبريل- وبعد ذلك قام إبراهيم على الحجر، فقال: يا أيها الناس! كُتِب عليكم الحج، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه مَن آمن ومَن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة: لبيك اللهم لبيك).

قال ابن حجر: روى الفاكهي بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس، أن إبراهيم عندما انتهى من بناء البيت نادى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:٢٧] نادى من مكانه بدون مكبرات، أو أي شيء آخر: يا أيها الناس! كُتِب عليكم الحج.

فالله عز وجل تكفل بإبلاغ صوته إلى الناس كلهم في الأرض في ذلك الوقت، سمع صوتَه كل أهل الأرض، وليس فقط ذلك، وإنما أسمع الله من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأجابه كل مَن كتب الله له أن يحج إلى يوم القيامة، قائلين حتى الذين في أصلاب الرجال، حتى الذين ما خُلِقوا بعد، أجابوا: (لبيك اللهم لبيك) بقدرة الله عز وجل.

هذه قصة بناء البيت العتيق.