للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين خواطر الخير وخواطر الشر]

فموضوع الخواطر موضوع مهم جداً، فأنت الآن مدعو إلى التدبر في مسائل العلم، ومدعو إلى التدبر في معاني الآيات والأحاديث؛ كيف ترضى أن تجمع في عقلك بين معاني {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٢ - ٥] وبين خواطر سيئة وخسيسة ودنيئة؟ كيف تجمع بين تدبر خواطر الخير وبين خواطر الشر؟ قال: فالقلب لوح فارغ، والخواطر نقوش تنقش فيه، فكيف يليق بالعاقل أن تكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخداع وأماني باطلة، وسراب لا حقيقة له، فأي حكم وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟ وإذا أراد أن ينتقش ذلك في لوح قلبه كان في منزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه لو أتيت بخنزير ووضعت في عنقه قلادة من الجواهر ما رأيك بهذا المنظر؟ هل ترى أن الجواهر تصلح أن تكون على الخنزير، إذا كان لا يصلح فكيف تجعل عقلك مستودعاً للخواطر الشيطانية الخسيسة والدنيئة، ومستودعاً للذنوب والمعاصي الحقيرة التافهة والسيئة، وتجمع معها خواطر القرآن والقيامة والجنة وصفات الله تعالى تدبراً؟! فإن كل واحد يطلب علماً لا بد أن يسأل نفسه هذا

السؤال

كيف أطلب العلم وأفكر في مسائل الطهارة والصلاة والزكاة والحج، وقبلها مسائل العقيدة وأسماء الله وصفاته، واليوم الآخر والسيرة النبوية والأحاديث إلى آخره.

أفكر بهذا كله ثم أدخل عليها خواطر في الزنا والعشق، والأشياء المحرمة والصور العارية الخ.

فكيف ينطبق هذا على هذا، وإذا أراد أن ينتقش ذلك في لوح قلبه كان بمنزلة كتابة العلم النافع في محل مشغول بكتابة ما لا منفعة فيه، فإن لم يفرغ القلب من الخواطر الرديئة لم تستقر فيه خواطر نافعة، فإنها لا تستقر إلا في محل فارغ لتتمكن.

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

هذه قضية -يا إخوان- مهمة جداً أن يكون هناك تفريغ للقلب من الخواطر السيئة، نعم.

لا يمكن أن نمنعها من الورود لكن إذا وردت لا نجعلها تعشعش، ولا نترك لها مجالاً للاستقرار في القلب، والإنسان إذا كان قريباً من الله أصبحت الخواطر التي ترد عليه خواطر رحمانية، كما قال ابن القيم رحمه الله: الخواطر التي مبعثها الملك -أي: أيُّ خاطر طيب فإن مبعثه الملك- إذا أصبحت الخواطر الطيبة تأتي إلى ذهنك باستمرار وتتزاحم حتى في العبادات، وهذا ما حصل لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين تزاحمت عليه الخواطر في مرضاة الرب فربما استعملها في صلاته، فتزاحم عنده تجهيز الجيش في سبيل الله مع قراءة القرآن أو الذكر في الصلاة، انظر إلى أي درجة وصل الفاروق، أصبحت تتدافع خواطر في الآيات وخواطر في الجهاد، وهو المسئول الأول في المسلمين والخليفة، وهو المنشغل جداً، فهو أول واحد يهمه الموضوع.