للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم مقاطعة الشيخ أثناء الإجابة]

ومن الأدب: ألا يقاطع الشيخ أنثاء الإجابة، يتمهل حتى يقضي الشيخ كلامه، ثم يقول مايريد أن يقوله من الاعتراض، أو الاستشكال مثلاً، أو سؤال زائد، أو فرعية في الكلام، أو سؤال عن لفظة غريبة وردت في كلام الشيخ مثلاً، ولا يستعجل فقد تأتي مسألته بعد قليل، وقد يكون الشيخ يريد أن يعلمه شيئاً أهم من الشيء الذي يسأل عنه، أحياناً يأتي واحد يسأل فالشيخ يعطيه مقدمة مهمة جداً أهم من السؤال، فيقول: لا، هذا ليس سؤالاً، انتبه أنت هذا الكلام قد تنتفع به بقية عمرك، سأل رجل ابن عمر رضي الله عنه عن إطالة القراءة في سنة الفجر، فقال ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، فقاطع، فقال: لست عن هذا أسأل، فقال: إنك لضخم، ألا تدعني أستقرئ لك الحديث، أي: انتظر الجواب في بقية الحديث، أنا آتي لك بالحديث من أوله لتستفيد، وكلمة ضخم إشارة إلى الغباوة وقلة الأدب، وإنما قال له ذلك، لأنه قاطعه وعاجله قبل أن يفرغ من كلامه، وبعض الناس أيضاً يعاملون بعض الشيوخ والمفتين والعلماء، كأنهم موظفون يأخذون أجراً على الاستفتاء، وأنه موظف موجود لكي يجيب وأنه لا بد أن يجيب، وقد يكون الشيخ محتسباً لا يأخذ أجراً على ذلك، على أن يجلس عند الهاتف بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء، أو أنه يجلس في المسجد ليفتي الناس، لم يعطه أحد أجراً على هذا، فبعض الناس يسألون الشيخ كأن الشيخ موظف لا بد أن يجيب، لأنه يأخذ عليه أجر، وكأنه يقول حلل راتبك، انتظر هات الجواب، وخصوصاً الذين يسألون المشايخ في بيتهم، من الذي أعطاه وقال اجلس في بيتك وخذ مرتباً على الإفتاء من الساعة كذا إلى الساعة كذا؟ وكذلك لا بد للمستفتي إذا أراد أن يستفتي في مسألة فيها حرج أن يقدم بين يدي الاستفتاء بعبارات تدل على تحرجه، وأنه لا يريد الفحش بالكلام، فبعض الناس يقول: مثلاً، إن الله لا يستحي من الحق، يا شيخ ما حكم كذا؟ أو لا حياء في الدين ماحكم كذا؟ أو أريد أن أسألك عن مسألة لكني متحرج فيها، ولكن لا بد من السؤال، ويعطيه السؤال، وبعض الناس لا يبالي بذلك ويذكر توصيفات وأشياء تتعلق بالعورات، تتعلق بأمور من هذا القبيل بدون أي تقديم ولا يظهر للشيخ تحرج السائل، بل يظهر له قلة أدبه في السؤال.

فإذاً لا بد من شيء من التقديم؛ لا مؤاخذة ما معنى كذا وكذا؟ لكن رأينا في المجالس أناساً يقولون: يا شيخ ما معنى "حتى تذوق عسيلتها؟ " طريقتهم واضحة أنهم يريدون الفحش، وقد يكون عارفاً للجواب، لكن هذا موجود في المجتمع، ثم إنه ينبغي على المستفتي إذا أحسَّ أن الشيخ يريد بجوابه إبعاده عن الموضوع وصرفه عنه، وهو يقول: لا، لا إما أنك تقول لي حرام حتى أتركه، أو أنك تقول أنه ليس بحرام، فأحياناً بعض المشايخ يتورع أو تكون المسألة من المشتبهات، أو من المكروهات، هذا كثير جداً فيقول الشيخ مثلاً: لا أنصح بهذا، أرى أن تترك ذلك، أرى أن تترك هذا الشيء، فيقول: لا، لا، حدد حرام أم لا؟ لماذا؟ لأن هذا السائل ما عنده شيء اسمه (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ولا عنده "اتق الشبهات أبداً" ولا عنده شيء اسمه (فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام).

الشيخ يريد أن يعلمك ترك الشبهات، يريد أن يعلمك أن هذا خلاف الأولى لا تفعل، فتجد هذا يلزم، وأحياناً يقول: لا يجوز أم حرام؟ أي حتى بعضهم لا يفهم لا يجوز، يأثم لو فعل، فيريد كلمة حرام، يريد كلمة حرام بالنص، فيفوت مقصد من مقاصد الشيخ في الإجابة، وكذلك من آفات المستفتين، أن بعضهم يتبرع بالسؤال عن شخص آخر، فيقول لواحد من الناس أنا أسأل لك، ويذهب بمعلومات غير كافية للشيخ، فيسأل الشيخ، فإذا استفصل منه الشيخ، قال: والله لا أدري، ليس عندي علم، إذاً الفتوى كلها تتوقف على هذا الأمر، كما قال أحد السلف لسائل من هذا النوع: ليتك إذ دريت دريت أنا، لو أنك أعلمتني بالشيء الناقص، لأعلمتك بالجواب.