للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد عامة من معرفة التاريخ]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فأحييكم -أيها الإخوة- بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأقول في مطلع حديثي في هذه الليلة: إن التاريخ الإسلامي تاريخٌ عظيمٌ جداً، بدأ منذ بداية هذه البشرية من آدم عليه السلام، ونحن أمة ذات عراقة في التاريخ، وجذورنا ضاربة فيه، وبدايتنا مبكرة جداً، وتاريخنا لا يبدأ في هذا القرن، ولا في هذا الزمان، بل إنه قديمٌ جداً، تاريخٌ مشرق تاريخٌ كان فيه الأنبياء قادة، والمؤمنون سادة تاريخٌ عظيم حقق الله فيه على أيدي المسلمين إنجازاتٍ كبيرة، وهدى الله بأفرادٍ من هذه الأمة خلقاً من خلقه لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وهذا التاريخ دراسته ذات فوائد جمة، والذي يحرم من فوائد دراسة التاريخ فإنه يخسر كثيراً.

أيها الإخوة! هذا التاريخ الذي صنف فيه علماؤنا مصنفاتٍ كثيرة، وكتبوا الأحداث، وبينوا زمنها ومكانها حتى تكون الأجيال على وعيٍ، وحتى تتربى على بصيرة.

أيها الإخوة: سوف يكون حديثنا في هذه الليلة مقدمة لهذا الموضوع الكبير، وسيكون العنوان: (من فوائد دراسة التاريخ الإسلامي).

١ - التاريخ الإسلامي دراسته ذات فوائد تربوية؛ لأن المسلم يعلم من خلال دراسة التاريخ أن الأمة كانت مناطة بهدفٍ عظيم؛ ألا وهو استعمار هذه الأرض عمارتها بمنهج الله عز وجل، والأنبياء في هذا التاريخ كانوا قدوات، ونستلهم منهم نحن اليوم طريقة الحياة، والقيم والموازين الربانية التي بعثوا بها، وكذلك كيفية تحقيق المنهج في الأرض.

٢ - من فوائد دراسة التاريخ: معرفة سنن الله سبحانه وتعالى في هذا الكون، والله له سننٌ لا تتخلف ولا تتبدل {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:٦٢] هذه السنن بعضها خارقٌ يجريها على أيدي أنبيائه بالمعجزات، وعلى أيدي أوليائه بالكرامات، وبعضها سننٌ جارية وهي الأعم الأغلب، مثل: تنفيذ وعد الله لأوليائه بالنصر {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ} [غافر:٥١] كما أن من هذه السنن إهلاك المكذبين.

٣ - وكذلك فإن دراسة التاريخ تحوي في طياتها فوائد، مثل: معرفة أن هلاك الأمم يكون بالترف والفساد.

٤ - ومن فوائد دراسة التاريخ: معرفة أن الله عز وجل يداول الأيام بين الناس، فتكون تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ولا يدوم أحد، وكما قال أحدهم لخليفة: " لو دامت لغيرك ما وصلت إليك " وهذا دليلٌ على بقاء الله سبحانه وتعالى، وديمومة ملكه وانتهاء ملك الأمم والناس، فكم من دولة ظهرت، وكم من دولة سقطت، وكم من ملكٍ تولى ثم مات، وكم من خليفة استخلف ثم انتهت خلافته وانتزع ملكه، وهكذا يبقى ملك الله عز وجل هو الحي لا إله إلا هو، لا يموت سبحانه وتعالى مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء.

٥ - نتعلم من دراسة التاريخ: مسألة ابتلاء الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وكيف يصبر المؤمنون على ذلك، كقصة أصحاب الأخدود وغيرها.

٦ - نتعلم من دراسة التاريخ: طبيعة الصراع بين الحق والباطل، والتدافع بين الحق والباطل، وأن هذه الدنيا منذ أن خلق الله فيها البشر والمعركة بين الحق والباطل مستمرة وقائمة لا تنتهي، وأن الحق يكون له الدولة في أزمان، والباطل قد يعلو في أزمان، لكن يبقى أصحاب الحق مستعلين بالمنهج والعقيدة: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين) بالظهور الذي قد يكون ظهور السلاح والملك، ولكن يكون دائماً ظهور العقيدة والحق الذي معهم يظهرون به على سائر الملل والنحل.

٧ - وكذلك فإننا نتعلم من دراسة التاريخ -أيها الإخوة- معالم الحياة الإنسانية، وكيف بدأت البشرية، وأنها بدأت على التوحيد، وأن الفكرة التي تقول: " إن الديانة في الأرض تطورت من تعدد الآلهة إلى الإله الواحد " هي فكرة خاطئة ضالة، وأن الله أول ما خلق البشرية على التوحيد، وأن آدم وعشرة قرون بعده كانوا على التوحيد حتى ظهر الشرك في قوم نوح، فبعث الله سبحانه وتعالى نوحاً نبياً وهادياً.

٨ - ونتعلم من دراسة التاريخ: سير العلماء والمجاهدين، وعلى رأسهم حواريو الأنبياء، وصحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتابعيهم.

٩ - ونتعلم: أن الصبر على المشاق من لوازم حياة المؤمنين في هذه الأرض.

ونتعلم أيضاً: الحصانة الفكرية التي لا تجعلنا نخطئ في التعامل مع الأفراد والأمم، وفي نظراتنا إلى الدول المختلفة، وإلى الحكومات المتعددة؛ لأن هذا التاريخ يضع لنا الحروف على النقاط، ودراسته من خلال القرآن والسنة وأقوال المؤرخين الإسلاميين الثقات لها فوائد كثيرة، ومنها: الفضائل الأخلاقية التي تتربى عليها الأجيال المختلفة عندما يتعلم الناس كيف صبر السالفون، وما هي طبائعهم الفاضلة، وكيف حصل بسبب الأخلاق انتشار لهذا الدين.

١١ - كما أن دراسة التاريخ تساعدنا على فهم الحاضر، لأن الحاضر هو جزءٌ من الماضي لا يمكن أن يقطع منه، والدليل على ذلك: أن كثيراً من الأديان الموجودة -الآن- أصولها قديمة، وأن معرفة الأصول القديمة تساعد على فهم واقع الأديان الحاضرة، وعلى فهم الملل والنحل الموجودة الآن.

زد على ذلك أن قولة: (التاريخ يعيد نفسه) قولة صحيحة ولا شك، وأن كثيراً من الأخطاء حصلت في الأزمان الماضية يمكن للأذكياء إذا درسوا التاريخ أن يتلافوا كثيراً منها، ولذلك كان من أكثر ما يؤدب به أولاد الخلفاء سير الماضيين، حتى يتعلموا أصول الحكم، وكيف يسوسون الرعية.

وكذلك -أيها الإخوة- فإننا في هذا الواقع الموجود الآن؛ من جهة أننا أمة مضطهدة ومحاربة، وأن الدولة الآن للكفار، وأن أعداء الله قد ظهروا على الأرض بقواتهم المادية، وإمكانياتهم التي أعطاهم الله إياها فتنة لهم، نتعلم كيف نواجههم، وكيف نصبر على أذاهم، وما هي السنن الربانية التي يجب أن نسير عليها، وكيف نستعمل المنهج في مواجهة الكفر والإلحاد؟ نحن نعلم أن هذا الزمان بما فيه من هذا التسلط والجبروت من أعداء الله سوف سيعقبه دولة للإسلام ولا شك إن شاء الله، وسوف يقوم للإسلام قائمة عظيمة إذا حصل ظهور جيلٍ من المسلمين يطبق الإسلام في نفسه، ويطبق الإسلام في المجتمع، وعند ذلك ستقوم دولة الإسلام عالية على جميع أمم الكفر ومذاهب أهل الأرض، ونحن نستعرض الآن نماذج من الأمور التي حصلت في التاريخ الماضي وكيف نأخذ منها عبراً ودروساً.

إن دراسة تاريخ الأنبياء ودعوات الأنبياء مسألة مهمة جداً، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:٩٠] سِر على ذاك النهج، واختط نفس الطريق.