للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنوع الناس في المعبود والعبادة]

لا يظنن ظان أن الاختلاف بيننا وبين غيرنا فقط في قضية الطريقة والأسلوب، لا.

بل حتى معرفة الله عز وجل، فقد أثبت شيخ الإسلام رحمه الله في كلامه هذا قال: " فقد تعرف هذه الأمة من أسمائه وصفاته ما لا تعرفه به الأمم الأخرى، فهم مشتركون في عبادة نفسه، وإن تنوعوا فيما عرفوه وعبدوه به من أسماءه وصفاته ".

ويتفرع عن معرفة الله اليوم الآخر، فينضم إليه اليوم الآخر وما جاء في نعته من الأسماء والصفات والوعد والوعيد.

فإذا صار عندنا ثلاثة أشياء: الأول: هو سبحانه وتعالى.

الثاني: اليوم الآخر.

الثالث: الوسيلة -اتباع السنة- فقد اكتمل كل شيء.

وبهذا نعرف كيف نتوصل إلى السعادة الحقيقة والاستقرار الصحيح بمسألة عبادة الله وحده لا شريك له، وبمسألة الوفاء بالعهود والمواثيق، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة:١٧٧] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:١].

وإذا لم يكن مقصود الدين والناموس الموضوع الذي يحكم جماعة من الناس إلا جلب المنفعة في الحياة الدنيا ودفع المضرة، فليس لهم في الآخرة من خلاق، وإذا كانت قضيتهم قضية قوانين أو الذي أطلقوا عليه الدين المشترك، فإنهم لابد أن يستولي بعضهم على بعض ويقهر بعضهم بعضاً كما فعل فرعون وغيره، وقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} [القصص:٤] مع أنه كان له دين، والقبط الذين كان يملكهم فرعون لهم دين مشترك.

وقال الله تعالى في قصة يوسف: {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} [يوسف:٧٦] وهذا الملك كان فرعون يوسف، قبل فرعون موسى، لأن كلمة فرعون اسم لملك مصر، كما أن خاقان اسم لملك الترك، كما أن كسرى اسم لملك الفرس، كما أن المقوقس اسم لكل من ملك الإسكندرية، كما أن تبع اسم لكل من ملك اليمن، كما أن النجاشي اسم لكل من ملك الحبشة وهكذا.

فالنجاشي ما اسمه رحمه الله أصحمة والنجاشي لقب معناها ملك.

لقد كان فرعون يعيش مع قومه في دين يحكم بلده، لكنه كان يستضعف طائفة، يُعذب أبناءهم ويقتلهم، ويستحيي نساءهم، لماذا كان يفعل ذلك؟ لأن المسألة ليست قائمة على دين الله، بل كانت قائمة على دين ابتدعوه هم، ورأوا فيه من المصالح ما رأوا، لكن ما حقق العدل في الأرض فإن الظلم قائم، ولا شك في ذلك.

ثم القضية الأهم وهي إقامة التوحيد في الأرض وإزالة الشرك: فلو وضعوا قانوناً تتم به مصلحة الدنيا لكن ليس فيه أمر بالتوحيد وعبادة الله تعالى، ولا بالعمل للآخرة، ولا نهي عن الشرك فإنهم لن يسعدوا حتى في الدنيا.