للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحب أصل كل عمل من حق وباطل]

أصل الأعمال الدينية حُب الله ورسوله، فإن قوة المحبة لكل محبوب يتفاوت فيها الناس في الشيء الواحد، حتى الشخص الواحد تتفاوت محبته فيقوى حبه تارة ويضعف أخرى، ويكون فلان يحب هذا الشيء أكثر من فلان، فإذن المحبة تتفاوت في الأشخاص وفي الشخص الواحد.

والمحبة ينبني عليها أشياء، من اتخاذ المواقف وتنبني عليه محبة جديدة وبُغض جديد بناء على ما يحدث للإنسان من التغير، ولذلك قال الله تعالى عن إبراهيم الخليل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤].

إذن المحبة تنقلب وتتغير وتزيد وتنقص، وممكن يحل محلها بغضاء، وممكن تنقلب البغضاء إلى محبة، ما مثال ذلك؟ قصة إبراهيم عليه السلام لما قامت المسألة على التوحيد أبغض أباه وأبغض قومه.

فالحب الطبيعي الذي كان يحب به الابن أباه انقلب بغضاً له؛ لأنه يكفر بالله وقال: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:٤] إذن اتخذ موقفاً جديداً في قضية المحبة والبغض نابعاً من قضية التوحيد، نفس الذي يحصل للمهتدي، فلو أن شخصاً هداه الله هداية قوية، ماذا يحصل له، افرض هداه الله في ليلة، أمسى كافراً وأصبح مؤمناً، فسحرة فرعون اهتدوا من موقف فجأة، أي: إلى لحظة إلقاء الحبال والعصي وهم كفار يحبون فرعون ويكرهون موسى.

فلما ألقى العصا وأكلت ما ألقوا وعرفوا الحق، تبدلت كل المشاعر في لحظة، فتبدل كل شيء، فكرهوا فرعون وعمل فرعون وكرهوا السحر الذي قاموا به، وأحبوا موسى، ودين موسى وأحبوا الله عز وجل، وفوق ذلك ضحوا بأنفسهم، وانقلبت أشياء بفعل التبدل الذي حصل في القلب.

كما حصل لـ ثمامة رضي الله عنه، فقد أتي به مأسوراً إلى المسجد النبوي، وهو يكره الدين والإسلام والبلد والمدينة التي أُسر فيها، والمسجد والنبي صلى الله عليه وسلم، ولما ربط وجُعل في المسجد، ورأى ما رأى من الصلاة واجتماع المسلمين، ثم منّ النبي صلى الله عليه وسلم عليه وقال: (أطلقوا ثمامة) بدون مقابل، ماذا حصل؟ صار عنده قناعة فاقتنع، وجاء موقف المنّ عليه فهداه الله، ولما هداه الله قال: يا محمد! ما كان على وجه الأرض من شخص أبغض إليّ منك، فصار وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان على وجه الأرض من دين أبغض إلي من دينك، فقد صار دينك أحب الدين لدي، والله ما كان في سطح الأرض من بلد أبغض إلي من بلدك، فقد صار بلدك أحب البلاد إليّ.

فكيف انقلبت المسألة؟ بالهداية انقلبت المواقف، فإذن المحبة هذه تتغير، وبناء عليه البغض أيضاً يتغير، وكذلك فإنها تزيد وتنقص.