للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأكيد الله باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم]

قال ابن القيم: وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين، وقد قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

انظر إلى المؤكدات التي انطوت عليها هذه الآية.

أولاً: صدّرها بالنفي {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} [النساء:٦٥] وهذا منهج معروف عند العرب، كما قال الصديق رضي الله عنه: [لاها الله إذاً لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه] هذا كان في قصة أبي قتادة، لما طالب شخص بسلب من قتله أبو قتادة، فـ أبو بكر نفى ذلك، كيف تُعطى سلب القاتل؟ والقاتل أحق به؟ وكما قال الشاعر:

فلا والله لا يلقى لما بي ولا لما بهم أبداً دواء

هذا النفي المستخدم في الآية أسلوب من الأساليب، فهذه الآية التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] في رد الناس إلى السنة، وترك ما هم عليه، فيها مؤكدات كثيرة جداً، مثل النفي الموجود في أوله، كما تجده في أقسام الله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:١] {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:٧٥] {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:١٥] وهذا يؤكد الحقيقة المذكورة أكثر.

ثانياً: القسم نفسه {فَلا وَرَبِّكَ} [النساء:٦٥] واو القسم.

ثالثاً: التأكيد بالمقسم به، فإنه أقسم هنا بالرب سبحانه وتعالى، والله يُقسم بالمخلوقات ويُقسم بنفسه سبحانه، فهنا أقسم بنفسه.

رابعاً: أكده بنفي الحرج: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً} [النساء:٦٥] لأن بعض الناس يسمع حكم الله ورسوله لكنه يتحرج منه، بل إنه يود لو أنه ما كان هكذا يقول عند صفقة كذا وكذا: ما حكمها؟ فتقول: حرام؛ لأنك أنت بعت ما لا تملك مثلاً، فينصرف عنك، ولو سمع الكلام يسمع وفي نفسه حزازة، بل يتمنى أن الحكم ما كان، لأنه فوت عليه أشياء.

خامساً: تأكيد الفعل بالمصدر، قال سبحانه وتعالى: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] فكأنه قال: (ويسلموا) مرتين، لأجل ألا يكون هناك أي نوع من أنواع الاعتراض، ويكون هناك كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم.