للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التسليم لأوامر الله والثبات على دينه أمام المحن]

لابد أن يسلم المسلم تسليماً تاماً لمشيئة ربه، ولا يعترض على ما حل من المصائب مطلقاً، هذه مشيئته سبحانه.

وثانياً: إذا قال بعض الناس: نحن مسلمون، فلماذا تنزل بنا الكوارث؟ هل يظنون أن الإسلام ينبغي أن يمنع عنهم كل كارثة وكل مصيبة؟ إذاً اسمع معي -أيها المسلم- هذا الجواب، قال الله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١] قال ابن عباس رضي الله عنه كما جاء في البخاري وغيره: [كان الرجل يقدم المدينة -كان الأعراب يأتون من النواحي يسلمون في المدينة - فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال: هذا دينٌ صالح، وإن لم تلد امرأته غلاماً أو ولدت جارية -وكانوا يكرهون البنات- ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء] وفي رواية أخرى بسندٍ صحيح عن ابن عباس قال: [كان ناسٌ من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيثٍ وعام خصبٍ وعام ولادٍ حسن قالوا: إن ديننا هذا صالح، فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدبٍ وعام ولاد سوء، وعام قحطٍ قالوا: ما في ديننا هذا من خير] فأنزل الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} [الحج:١١] الآية.

أي: كارثة أو حلت به مصيبة أو مرض، أو جدب انقلب على وجهه وارتد: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١].

ونحن المسلمون نبقى مسلمين سواءً حلت بنا النعم أو النقم، سواءً جاءنا الرخاء أو القحط، وسواءً حل بنا الأمن أو الحرب والفزع، فإن إسلامنا يبقى على حاله، لا نرتد ولا نغير، هذا ما ينبغي أن نكون عليه، فإن الإسلام لا يُعتبر دين سوء أو دين حسن بناءً على الأحداث التي تمر بالشخص، بل هو الذي رضيه الله وشرعه، فما يحدث من الأحداث والكوارث لحكمٍ يعلمها سبحانه وتعالى، والله عز وجل يبتلي بالسراء ويبتلي بالضراء، ويبتلي بالرخاء ويبتلي بالشدة، ويبتلي بالغنى ويبتلي بالفقر، والله يبتلي بالأولاد ويبتلي بالعقم سبحانه وتعالى، فلا يقولن إنسان: لو أن الإسلام دين حق لما حل بنا الذي حل، وإنما يقول لنفسه: ما أصابك من حسنة فمن الله وهو الذي قدرها، وما أصابنا من سيئة فبما كسبت أيدينا، بسبب ذنوبنا ومعاصينا، والله يذكرنا فيكون من حكمته سبحانه ومن رحمته أن بعض الناس يتذكر بعد الغفلة، ويعود بعد السوء والذنوب إلى الله عز وجل، فيكون الحدث مذكراً، يكون الحدث معيناً، يكون الحدث نافعاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما مسنا بشيءٍ من العذاب تفكرنا في أنفسنا فعلمنا أن التقصير منا، فهنا يجب أن نرجع ونتذكر.

أما الذين يقولون: نتمسك بالدين، وندخل مشوار الالتزام بالإسلام والاستقامة على دين الله فننظر، فلو عافانا الله في الأبدان وأعطانا الأموال فهذه الاستقامة نستمر عليها، وإن استقمنا على الدين وتركنا المنكرات فحلت بنا الكوارث أو جاءتنا الأحداث المفزعة تركنا الاستقامة، هذا مبدأ خاطئ وخطير جداً، فإنه لا ارتباط بين الاستقامة وأقدار الله من المصائب التي تحدث، لكن المسلم إذا ابتلاه الله يصبر ويعلم أن الأمر لله، وأن كل شيءٍ بيد الله، وأن الاستقامة تنتج الصبر على الأقدار والمصائب، وأن الذين لا استقامة لديهم يصابون بالجزع، يصابون بسوء الظن بالله، يرتدون على أعقابهم، ينكصون، يرتدون على أدبارهم.

ولذلك -أيها الإخوة- ينبغي أن نستقيم على الشريعة مهما حل بنا، ومهما حدث، ولا نقول: إن الإسلام دين غنائم، إذا جاءتنا الغنائم استقر بنا الحال على الإسلام، وإذا حلت بنا المصائب تركنا الإسلام والاستقامة على الدين، وكثير من الناس يربط بين هذا وهذا، فتزل قدم ويرتد على أدباره بعد أن هداه الله.