للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبو هريرة أحفظ الصحابة للحديث]

وأبو هريرة الذي يعلمنا درساً في الحرص على طلب العلم، وتقديم طلب العلم على طلب الدنيا، الفقيه المجتهد الإمام الحافظ الذي روى عنه أكثر من ثمانمائة نفس، هذا الرجل العظيم الذي دعا أمه للإسلام، واجتهد إلى أن أسلمت، بسط ثوبه لسماع مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يشغلهم الصفق بالأسواق وكان مرابطاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفظ حديثه، وعن أبي الزعيزعة كاتب مروان الخليفة أن مروان أرسل إلى أبي هريرة وجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأس الحول دعا به -بعد سنة- فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب فما زاد ولا نقص ولا قدم ولا أخر رضي الله عنه، لقد كان حفظه متيناً، وعن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا، حتى الخادم والمرأة لها تربية من نصيب أبي هريرة من عنايته في قيام الليل، وهو الأمير المتواضع لما ولي الإمارة كان يحمل حزمة الحطب على ظهره، ويقول: طرقوا للأمير طرقوا للأمير.

وعن محمد قال: كنا عند أبي هريرة فلما تمخط مسح بثوبه وقال: [أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر في ما بين منزل عائشة والمنبر مغشياً علي من الجوع، فيمر الرجل يحسبني مصروعاً فيقعد عليَّ -ليرقيه- فأقول: ليس الذي ترى إنما هو الجوع] وقال: [والله إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، وكان مع أهل الصفة] رضي الله تعالى عنه، وصلى بالناس يوماً فلما سلم رفع صوته مرة فقال: [الحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجليه].