للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح قصة أبي هريرة وإناء اللبن]

هذه القصة العظيمة التي رواها أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (آلله -أو- والله الذي لا إله إلا هو -يحلف- إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع) أي: ألصق بطني بالأرض من الجوع، فإما أن يكون المعنى أنه كان يشد الحجر على بطنه حتى لا يشعر بالجوع، أو أنه كناية عن سقوطه إلى الأرض مغشياً عليه، كما قال هو رضي الله عنه (فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع)، فكان يصل إلى درجة الغشيان، قال: (لقد رأيتني وإني لأخر ما بين المنبر والحجرة -يطوف بينهما ما عنده شيء في غاية الجوع- مغشياً عليّ من الجوع، فيجيء الجائي -يراه مغشياً عليه- فيضع رجله على عنقي يرى أن بي جنوناً وما بي إلا الجوع) كأنه كان يريد أن يقرأ عليه ليخرج الجن، يحسبه مصروعاً فيه جن، فيخرج الجن وما به جن ولا صرع ما به إلا الجوع، وقال: (كنت من أهل الصفة، وإن كان ليغشى عليّ فيما بين بيت عائشة وأم سلمة من الجوع)، وفي رواية: (وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لشبع بطني) يلزمه بأخذ الأحاديث والعلم وليس له إلا الطعام فقط، وقال في رواية: (وكنت ألصق بطني بالحصى من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية وهي معي -أي: أحفظها وأعلم بها منه كي يتفطن لحالي- كي ينقلب بي فيطعمني، وكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب -وكان يلقب بأبي المساكين رضي الله عنه- لا يعطيني جواب السؤال حتى يذهب بي إلى منزله ويطعمني)، قال: (وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع) وفي رواية: يقول عبد الله بن شقيق: [أقمت مع أبي هريرة سنة، فقال: لو رأيتنا وإنه ليأتي على أحدنا الأيام ما يجد طعاماً يقيم به صلبه، حتى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشد به على أخمص بطنه، ثم يشده بثوبه ليقيم به صلبه] الحجر في حالة الجوع الشديد إذا شد على البطن يفيد في الاعتدال والانتصاب، لأن الإنسان مع الجوع الشديد ينحني، فيشد الحجر على بطنه ويساعده على الاعتدال والانتصاب، أو يمنع كثرة تحلل الغذاء الذي في البطن فيبقى الطعام أكثر لكي يقتات به أكثر، أو حتى يبرد بالحجر حرارة الجوع في بطنه، فهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شظف العيش، صبروا معه وما ذهبوا عنه يميناً ولا شمالاً.

يأخذون صفائح رقاق من الحجر بطول الكف أو أكبر قليلاً، فيربطها الواحد منهم على بطنه وتشد بعصابة فوقها فتعتدل قامته بعض الاعتدال، قال أبو هريرة: (ولقد قعدت على طريقهم الذي يخرجون منه)؛ لأن طرق الصحابة من منازلهم إلى المسجد كانت متحدة في طريق واحد إلى المسجد (فمر بي أبو بكر فسألته عن آية ما سألته إلا ليشبعني -وفي روية- ليستتبعني) أي: يطلب مني أن أتبعه ليطعمني، ما كان أبو هريرة يريد أن يقول: هات وأعطني، كان متعففاً عن السؤال، لكنه كان مع ضرورة الحال يسأل السؤال وهو يعلم الجواب لعل المسئول يتفطن لحاله فيدعوه لطعام أو يعطيه شيئاً، مرَّ أبو بكر رضي الله عنه ولم يفطن لحال أبي هريرة، ثم مرَّ به عمر رضي الله عنه فسأله أبو هريرة فلم يفطن عمر رضي الله عنه لذلك أيضاً.

وعمر بعد ذلك علم، يقول أبو هريرة: (فلقيت عمر فذكرت له وقلت له ما حصل، أو ما كان مني) فتأسف على عدم إدخال أبي هريرة داره، وأنه لم يفطن له، وقال: لـ أبي هريرة معتذراً بعد أن عرف القصة: [والله لئن أكون أدخلتك أحب إليّ من أن يكن لي حمر النعم].