للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثاني عشر: جودة التحضير]

من الأمور التي تجعل الإلقاء ناجحاً، عامل مهم جداً وهو: جودة التحضير للموضوع: يجب أن لا يفهم مما سبق عندما تكلمنا في قضية التوكل على الله أن نترك الأخذ بالأسباب، فإن من أعظم وسائل نجاح إلقاء الموضوع جودة تحضيره، وحفظ الأدلة والشواهد وإعجاز القصص والأمثال، ومراعاة المدخل، وطريقة العرض، وتزوير الكلمة في النفس سلفاً، كما قال عمر رضي الله عنه: [فلما سكت -يعني خطيب الأنصار- أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر] يعني: أعددت مقالة في نفسي لهذا الخطب الجسيم وأردت أن أقولها.

ولا شك أن درجة الإعداد تختلف بحسب الموضوع، أو بحسب الحالة، فإعداد خطبة الجمعة غير إعداد الموعظة، أو إعداد الكلمة التي بعد الصلاة غير إعداد خطبة العيد، غير الخطبة التي أمر صلاح الدين شيخاً معيناً أن يخطبها ويلقيها في المسجد الأقصى أول جمعة بعد تحريره من أيدي النصارى، هذا أمر يسهر له الليل لتحضيره، والذي يلقي من غير تحضير قد يكون شخصاً موهوباً يستطيع أن يحضر في ذات الوقت، وأن يرتب الكلمة، وأن ينسقها في ذهنه فهذا شيء ممتاز، لكن الكثير من الناس قد لا يستطيعون ذلك، قد لا يكون طالب علم، ولا حافظاً مستحضراً للأدلة، أو جريئاً سريع البديهة، يحتاج أكثر الناس عند الإلقاء إلى تحضير، لا بد من الإعداد الجيد والذي يلقي من غير إعداد كالذي يخوض معركة بعدة فاسدة أو بلا عدة أصلاً.

والتحضير هذا يحتاج إلى محاضرة مستقلة (كيف تحضر موضوعاً) لعلها تكون في وقت آخر إن شاء الله، لكن لا بد من جودة التحضير: جمع النقاط، انتقاء وطرح النقاط الرديئة، أو غير المهمة، وإن كان الإنسان لا يحسن أن يتكلم ارتجالاً فيكتب النقاط ليذكر نفسه بها أثناء الكلام، وإن كان لا يستطيع هذا يكتب الكلام كله، اكتب ما ستقوله وما تريد أن تقوله فتنفي عن نفسك كثيراً من الكلمات الرديئة أو غير المهمة.