للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوسائل الشرعية في إنكار المنكر وضبط الانفعالات]

أولاً: أن نعرف سيرته عليه الصلاة والسلام كيف انضبط هو والصحابة رضوان الله عليهم في مكة في مرحلة الاستضعاف، ما استعملوا القوة مطلقاً في مواجهة ما واجهوه، وإنما صبر عليه الصلاة والسلام هو ومن معه، و (صبراً آل ياسر) ويصبر ويذكرهم بالجنة ويعطيهم أنباء ما قد سبق، ويبشرهم أن المستقبل للإسلام، هذا ما كان يحدث، إذاً هذا الذي كان يحدث عملياً في مكة.

ثانياً: إذا كان استعمال العنف واستخدام اليد ليس من مصلحة الإسلام فلا يجوز الإقدام عليه في أي حالٍ من الأحوال، خصوصاً ونحن نعلم أن القاعدة الشرعية: أن إنكار المنكر بطريقة تؤدي إلى منكر أكبر منه لا تجوز، وبالتالي فقد يقول قائل: فما هو الموقف إذاً حيال المنكر؟ وكيف يتصرف المسلم؟ فنقول: لا بد أن يكون للمسلم موقف، ومن الخطأ ألا يكون له موقف، ولذلك جاءت مراتب الإنكار بالمنكر، ومن أجل ذلك نقول: إن الإنكار باللسان لو استطاع عليه المسلم لا يجوز أن يتركه، لا بد أن يقوم لله ببيان الحق والحجة والصدع بالدين وبيان الحكم، لا بد أن يبلغ الدعوة ويعلم الناس، ولا بد أن يقول لهذا المنكر إنه منكر، ولو أدى ذلك إلى قتله فلا بأس، فإنه عليه الصلاة والسلام قد قال: (أفضل الجهاد كلمة حقٍ عند سلطان جائر) فينبغي أن يقول كلمة الحق، وهذه ليس فيها محذور، كاستخدام العنف واليد والتغيير بالقوة؛ لأن التغيير باللسان قصاراه أن يموت صاحبه ويذهب شهيداً، ولا يمكن ممالأة الناس عليه ولا استخدام الحادثة في استعداء الجمهور على هذا المسلم، لأنهم يعلمون أنه قد ذهب شهيد كلمة الحق، وأنه لم يستعمل شيئاً من الأشياء التي ينفر عنها الناس من استخدام القوة المتنوعة ولكنه استخدم كلمته ولسانه في قول الحق.

أما استخدام اليد والعنف فيسهل إقناع الغوغاء بأنه باطل واستعداء الناس على صاحبه، ولا شك أن الصحوة الآن نبتة لم يشتد عودها بالدرجة الكافية بعد، وأنها لا تتحمل أحداث عنفٍ جديدة، وإن التجارب الحالية والماضية قد أثبتت الحاجة إلى الاستمرار في الدعوة والتربية والاقتصار على إنكار المنكر باللسان إن استطاع صاحبه، أو اليد إذا لم يترتب عليه منكر كما ينكر رب الأسرة المنكر في بيته باليد لكسر آلة لهوٍ ونحوها، أو أي صاحب سلطانٍ في سلطانه يستطيع أن يزيل المنكر بيده دون أن يترتب عليه منكرٌ أكبر منه.

أما هذا الفقه فإنه فقه دقيقٌ جداً، وليت شعري متى يصل شباب الصحوة اليوم إلى الوضع الذي يفرقون فيه بين الصدع بالحق، وصيحة النذير العريان، وإعلان النصيحة، وإقامة الحجة، وتبليغ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبين إظهار التحدي، وفرد العضلات، وتصعيد الموقف، واستخدام القوة في غير موضعها والتهور في ذلك.

لو أن شباب المسلمين فقهوا الفرق بين القضيتين وعرفوا بأن المناصحة والإنكار باللسان بالحكمة والموعظة الحسنة هو الدور المناسب المطلوب في هذه المرحلة، وأن استخدام العنف لا يجدي شيئاً، بل يجدي بالضرر لعلموا ماذا يصنعون وفي أي اتجاهٍ يتحركون.

ولذلك فإن من الحكمة التي تقتضيها طبيعة هذه المرحلة عدم التصعيد والابتعاد عنه بكل سبيل.

ثالثاً: من الوسائل المهمة لضبط انفعالاتنا في هذه المرحلة: توجيه الطاقات إلى المجالات الأقل حساسية والأكثر فائدة للإسلام، مثل الدعوة والتربية كما قلنا، فإن الإسلام يحتاج اليوم لكسب عناصر جديدة إلى هذا الدين، يحتاج إلى مزيدٍ من الانتشار في الأرض، ولتعلم أيها المسلم أن كل بقعة يدخل فيها الإسلام ويذهب إليها نور الحق إنما هي عبارة عن عمقٍ مهمٍ واستراتيجيٍ للإسلام، وإن صدى صوت الحق يتردد في تلك الأعماق الضاربة في أقصى الأرض التي وصل إليها الإسلام، وأن هذا سيكون مفيداً في نصرة الإسلام إن شاء الله، فكلما انتشر الإسلام، وتعمقت جذوره في الأرض، وازداد أتباعه كسب طاقات جديدة، وازداد هؤلاء الأفراد معرفة بمعنى التربية التي ينشئون عليها؛ فإن هذه القاعدة ستكون هي التي يقام عليها البناء الإسلامي الشامل في المستقبل إن شاء الله.

رابعاً: من وسائل ضبط الانفعالات: استشارة الحكماء من أهل العلم والبصيرة والفقه في الأحوال قبل الإقدام على أي خطوة، وإن بعض الناس يظن أنه يحيط بالواقع وأنه قد درس الأمر دراسةً جيدة، لكنه ربما لا يعلم حديثه عليه الصلاة والسلام: (البركة في الجماعة) وإنه لا بد أن يتعلم فائدة قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩].

وخامساً: إننا نحتاج إلى الصبر، وحبس النفس عما يمكن أن يؤدي إلى المهلكة، وإلى شيء لا يكون فيه فائدة للإسلام والمسلمين بل ربما ضر.

سادساً: لا بد أن نفهم التحكم في انفعالاتنا عند الإقدام على أي خطوة: هل المسلمون على مستوى المواجهة وفتح جبهاتٍ جديدة أم لا؟ لا شك بأن الأمر يحتاج إلى مزيدٍ من الصبر، وما دام الإسلام في الانتشار فلم العجلة؟ وما دمنا نرى الآن أن هذه الصحوة تعم وتشمل وتدخل بيوتاً ويخرج الله بها أقواماً من الضلالة إلى الهداية، ومن الظلمات إلى النور، فنحن إذاً نرى أثر الدعوة إلى الله واضحاً، ونرى أثر التربية في قيام أناسٍ من أهل العلم والفقه في الأحوال، ما دمنا نرى أن التربية ولدت لنا كل هذه العناصر، فلماذا اللجوء إلى حلول أخرى لا يكون فيها فائدةً كما نرى من التجارب المتلاحقة الموجودة؟ فاسأل نفسك: ما المصلحة في الإقدام على أي أمرٍ من هذه الأمور؟ فإذا قالت لك نفسك: إن فيه نجاحاً ففكر: هل هو نجاحٌ جزئي أم هو نجاحٌ شامل؟ هل سيترتب عليه مصلحة للإسلام أكبر، أم المفسدة ستكون فيه أكبر؟ قد يخطر لبعضهم أن يتخلص من بعض الأشرار، فنقول: إن الأشرار كثر، فإن ذهب بعضهم جاء البعض الآخر.

سابعاً: فكر ما هي المضرة وما هي المفسدة التي ستنتج عن ذلك؟ ولتعلم يا أخي المسلم أن قطع الطريق على الأعداء في توظيف أحداث العنف لتشويه سمعة الدعاة عند الناس هو مخطط معروف، وإن من أُمنيات أعداء الإسلام أن يخرج المسلمون عن اتزانهم، وأن يسهل استغضابهم واستثارتهم ليقوموا بما لا تحمد عقباه، وإنه ينبغي علينا أن نتأسى بسيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حبس النفس في المواقف الحرجة، إن النفس تميل أحياناً إلى العجلة وإلى التخلص من أي شيء فيه عداء للإسلام.