للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستقامة على الدين ظاهراً وباطناً

إن الالتزام بالإسلام والاستقامة على دين الله هو ظاهرٌ وباطن، هو مخبرٌ ومظهر، هو حقيقة وجوهر كما أنه شكل ومظهر ينتج ويظهر على المسلم في الخارج، ونحن نريد أن يكون التزامنا بالإسلام داخلي وخارجي، شيء يقر في القلب فينعكس على التصرفات وعلى الأعمال أعمال القلب وأعمال الجوارح.

ينبغي أن نعالج القلب قبل أن نعالج العادات والتقاليد والملابس مع أن الكل من الدين، لكن هناك أولويات، ونحن نوقن بالارتباط بين الظاهر والباطن، ونحن نعتقد أن هناك مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

نعتقد أن تحكيم الشريعة في كل شيء يقود إلى إصلاح الظاهر والباطن، وأن ديننا قد أمر بإصلاح الظاهر والباطن، والله سبحانه وتعالى قال: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:١٢٠] لم يقل: ذروا ظاهر الإثم فقط، ولا قال: ذروا باطن الإثم فقط، قال: ذروا ظاهر الإثم وباطنه، فظاهر الإثم كل ما يظهر للناس من البذاءة والفحش والسب واللعن والشتم ونحو ذلك.

وباطن الإثم كل ما يكون في القلب من الحقد والحسد والعجب والغش واحتقار الخلق ونحو ذلك: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:١٢٠] الباطن مهم جداً والظاهر مهم كذلك، ولولا أن الظاهر مهم ما جاءت الشريعة بأحكام اللباس وسنن الفطرة والزينة والشعر والانتعال والنظافة وكل أمرٍ من الأمور التي تميز المسلم ظاهرياً عن غير المسلم، ولما شرعت الشريعة لنا وجوب مخالفة أهل الكتاب وغير المسلمين حتى في صبغ الشعر وفي الصلاة حفاة بغير نعال، وفي اللحية والشارب وغير ذلك، حتى نهينا عن التشبه بالحيوانات والبهائم، والذين يطيلون شواربهم اليوم مخالفون للهدي النبوي الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وحذرنا: (من لم يأخذ من شاربه؛ فليس منا) يجب قص ما طال عن الشفة، وأولئك النسوة اللاتي أطلن أظافرهن مثل الوحوش وصبغنها بالمناكير الحمراء وغيرها، هؤلاء المتشبهات بالحيوانات والبهائم والوحوش الكاسرة هن على استعداد بالخدش بها في أقرب مناسبة تقوم بها قائمة.

إذاً أيها الإخوة! الظاهر أمر عظيم وليس هناك في الإسلام شيء اسمه قشور ولب، والذين ينادون بتقسيم الإسلام إلى قشور ولباب أناسٌ ضالون مخطئون، الإسلام كلٌ لا يتجزأ الإسلام يؤخذ كله ويطبق كله، ومع الأسف فإن الناس اليوم يغترون بالظاهر، وليت أن ظاهر الأكثرية ظاهراً إسلامياً؛ إذاً لقلنا: إنهم على الأقل قد امتثلوا شيئاً من الدين، لكن الناس اليوم يعتنون بالمظاهر في الثياب والحفلات والزينات والطعام والشراب والسياحة، حتى العبادات إذا سمعوا قارئاً يقرأ بصوتٍ جميل، قال: صوتٌ رائع، ويجعلون حجهم سياحة، وعمرتهم أكل وحكايات في الحرم، هذا حالهم.

وطائفة أخرى من الناس دخلوا في الدين ظاهرياً؛ فهذا أطال لحيته وأعفاها، والتزم الثوب بطوله الشرعي الذي لا ينزل عن الكعبين، ولكن قلبه ينطوي على أنواع من المفاسد، والأمور العظيمة، ولذلك التصرفات الناتجة عنه والتعامل مع الناس بل مع زوجته وأولاده في البيت وأقربائه وجيرانه من أسوأ ما يمكن.

وأناسٌ قد أخذوا بنصيبٍ من هذا وهذا الالتزام الظاهري والباطني، ولكن عندهم نقص، نحن كلنا مقصرون ولذلك هذه دعوة حقيقة للالتزام بالإسلام ظاهراً وباطناً.

ولسنا من الذين ينخدعون بالظاهر، ولا بالذين يقومون الناس على الظاهر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً وعنده رجل، فمر رجلٌ فقال النبي عليه الصلاة والسلام للرجل الذي عنده: (ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجلٌ آخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجالس عنده: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله! هذا رجلٌ من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا) هذا الضعيف المستضعف خيرٌ من ملأ الأرض من أمثال هذا الذي تقول عنه: إنه من أشراف الناس.

ولما كانت امرأة من بني إسرائيل ترضع صبياً لها، أقبل رجلٌ ذو شارة حسنة وهيئة وفخامة ولباس وحشم، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الصبي الثدي، وأقبل وقال: اللهم لا تجعلني مثله، أنطقه الله في المهد، ونحن اليوم في خضم هذه الجاهلية التي يتعارك فيها ومعها؛ فإننا نحتاج إلى شخصيات إسلامية قوية ذات إيمان وإخلاص ذات علم وعمل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦] نحتاج إلى أناسٍ يتمسكون بالدين ظاهراً وباطناً نحتاج إلى أناس لا يلعبون بالدين، وإنما يكونون صادقين مع الله سبحانه وتعالى في تمسكهم به، وقلنا أن الناس اليوم قد اهتموا بالمظاهر السيئة، وبعضهم عنده مظاهر طيبة وبواطن سيئة، ولكن الأكثرية -كما قلنا- بعيدون عن شرع الله يلعبون بهذا الدين لعباً، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى، فقال: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:٩٨] {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء:٢] {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} [الطور:١١ - ١٢]، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة:٥٧ - ٥٨] {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام:٧٠].

هذه النوعية التي تلعب بالدين ابتداءً من العقيدة:

ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح

وقل إنما الإيمان قولٌ ونيةٌ وفعل على قول النبي مصرح

فهذا الإيمان قول وعمل واعتقاد، والذين يقولون: إن الإيمان بالقلب فقط هم أناسٌ يلعبون بالدين، ويتخذونه لعباً ولهواً، هؤلاء الذين يتحايلون على شرع الله قد عرفناهم، وقد جاءت تصريحاتهم موافقة لما في قلوبهم من الاستهزاء بالدين هؤلاء الذين سموا الربا فوائد وعوائد استثمار، والذي سموا الخمر مشروبات روحية، والذين سموا الرقص والموسيقى والغناء والتماثيل فن، والذين سموا الرشوة أتعاب، هؤلاء الذين يلعبون بالدين قد عرفناهم، وميزناهم جيداً في الواقع، هؤلاء الذين يتتبعون الرخص ويضربون كلام العلماء بعضه ببعض، هؤلاء يلعبون بالنار، الذين يفتون في المجالس في الأهواء ويتكلمون في الدين يخبطون بغير علم، كما قال الأول:

ما قال ربك ويلٌ للأُلى سكروا وإنما قال ويل للمصلين

قد عرفنا الذين يقولون: لِمَ يأخذ رجل أربعة نسوة ولا تأخذ المرأة إلا واحد؟ فلماذا لا تأخذ المرأة أكثر من رجل؟ قد عرفنا هؤلاء.

أيها الإخوة! نريد أن نلقي الضوء على عقيدتنا وتصرفاتنا نحن؛ نحن الذين نرى أننا نريد الصراط المستقيم والهداية، نسعى للتمسك بهذا الدين نريد أن نرى أنفسنا على ضوء الشريعة، الشريعة أمرتنا بأي شيء؟ هل أمرتنا بجزء من الإسلام أو أمرتنا بالإسلام كله؟ هل قالت: أسلموا في وقت الرخاء، ثم تراجعوا في وقت الشدة؟ بماذا طالبتنا الشريعة؟ ما هو المنهج والموقف من هذه الشريعة؟ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:٢٠٨ - ٢٠٩] {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] كلكم ادخلوا في الإسلام أو ادخلوا أنتم جميعاً في شعائر الإسلام كلها، لا تتركوا شعيرة إلا وطبقتوها بما تستطيعون: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:١٧٠] فالله عز وجل قال: يُمسِّكون بالكتاب، فيها معنى التكرير والتكثير للتمسك، هذا الفرق بين يمسِكون بالكتاب ويمسِّكون بالكتاب، إنها صيغة القبض على الكتاب بقوة وجد وصرامة، وهذه الصورة هي التي يريد الله منا أن نأخذ بها كتابه، ونحن نعلم كما علمنا الله ورسوله أن الجد والقوة في أخذ الدين شيء والتعنت والتنطع والغلو والتطرف هو شيء آخر، ولذلك نحن نعلم جيداً الذين يوجهون إلينا سهام التطرف والتنطع بلفظة الأصولية اليوم، نعرفهم ونميزهم ونعرف معنى التمسك بالدين على وجهه صحيح.

إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر، لكنها تنافي التميع إنها لا تنافي سعة الأفق، لكنها تنافي الاستهتار لا تنافي مراعاة الواقع، لكنها تنافي أن يكون الواقع هو الحكم على الشريعة، لأن الدين يقول: إن الشريعة هي الحكم على الواقع، وليس العكس.

والله سبحانه وتعالى علمنا ونبهنا إلى أن كتابه الكريم هذا قولٌ فصل وما هو بالهزل، بل هو حقٌ وجد، ليس فيه سائبة هزلٍ بل كله جدٌ محض، هو فاصل بين الحق والباطل قد بلغ الغاية في ذلك، فليس بالهزل ولم ينزل باللعب، ويجب أن يكون مهيباً في الصدور: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٦٣] خذوا ما ألزمناكم من