للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز منع الأعطية عن الولد الفاسق]

الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وهو أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى، حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الذي حكم بشريعة ربه وبالقسطاس المستقيم.

أيها الإخوة: ومن المسوغات الشرعية لتفضيل بعض الأولاد على بعض؛ أن يكون أحدهم طالب علم متفرغاً لطلب العلم، فيجوز لأبيه أن يعطيه راتباً لتفرغه، أو يشتري له كتب العلم؛ لأنه أنبغ من إخوانه في طلب العلم، وكذلك لو أن أحدهم -مثلاً- حفظ شيئاً من القرآن، فأعطاه الأب مكافأة لأنه حفظ من القرآن ما لم يحفظ إخوانه؛ فإن هذا أمر جيد ومستحب ومشجع لبقية الأولاد أن يحذوا حذو أخيهم الذي نبغ في العلم أو في حفظ القرآن مثلاً، أو لتفوقه العلمي، وجديته في الدراسة، وأنتم تعلمون بأن إعطاء أحد الأولاد زيادة لسبب شرعي على إخوانه لا بأس به، والمحرم أن يعطي أحدهم بلا سبب، وأن يميز أحداً منهم بلا سبب شرعي.

وكذلك يجوز للأب بل يجب عليه أن يمنع الأعطية عن الولد الفاسق، أو المبتدع، أو الذي سوف يستعملها في معصية الله عز وجل، أو ينفقها في معصية الله ومحادته سبحانه وتعالى، وكثيرٌ من الآباء عندهم اعوجاج فكري في هذه المسألة، فتراه يعطي الولد العاصي الفاسق، يقول أنت تحتاج إلى بنطلونات وأنت تحتاج إلى ثياب السهرات والحفلات، وأنت تحتاج أن تأكل في المطاعم الراقية، وأنت تحتاج أن تصرف على شلة الفساد، ويعطيه.

يعطيه ويدعمه ويعينه على المعصية وعلى الإثم وعلى الفسق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يكون عنده ولد آخر متدين، لا يسأل أباه شيئاً، هو بارٌ بأبيه، لم يفتح فمه، ولم يتطاول على الأب، فينتهز الأب الفرصة ويقول: هذا المسكين الدين القنوع لا يحتاج، ويعطي ذلك الفاسق بدلاً من العكس، وهو أن يمنع المال عن الفاسق الذي سوف يستخدم المال في السفريات المحرمة، وشراء المخدرات والمعاصي والإنفاق على أصدقاء السوء ونحو ذلك.

والمفروض أن يدعم الولد المتدين الملتزم بدينه؛ لأنه عنده نفقات لطلب العلم، ولإخوانه، ويتصدق، والفاجر يضعها على ظهرك يوم القيامة.

ومن الأمور السيئة أيها الإخوة: أن يعاون بعض الآباء أبناءهم على الإثم والعدوان وأن يمدوهم بالأموال.

يحدث أحد رجال الأمن في مطار من المطارات، يقول: جاءنا ولد عمره خمسة عشر عاماً يريد أن يسافر إلى بانكوك، معه تذكرة، قال له: النظام لا يسمح، لا بد من موافقة أبيك، قال: أبي موافق، هذا تلفون السيار اتصل على أبي، يتصل على أبيه: فلان؟ نعم، ابنك فلان؟ نعم، هو عندنا في المطار يريد أن يذهب إلى بانكوك، قال: نعم.

أنا أذنت له، أنا أعطيته ثمن التذكرة، أذنت ليلحقنا بعد ذلك إلى باريس، قاتلهم الله.

كم يجني الآباء على أبنائهم -أيها الإخوة- كم يجنون على أبنائهم في مثل هذه الأمور، كيف وقع كثير من الأبناء في المعاصي؟ كيف وقعوا في المحرمات إلا بسبب أن الأب لا يبالي بإعطاء ولده، يعطيه ويعطيه وهو يعلم أنه ينفقها في الفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وعلى الأب العاقل ألا يستجيب لضغط الأم، فالأم أحياناً تلين بعاطفتها، تعلم أن الولد ينفق في المحرمات لكن مع الضغط والإلحاح تقول للأب: أعطه، أعطه، الأب العاقل لا يستجيب، ويعلم أن مصلحة الولد بعدم إعطائه ليستعين بها على المحرمات.

وتنبيه أخير أقوله للأبناء: افرض أن والدك قد ظلمك وفضل عليك إخواناً لك، فلا تقع في خطأ المقابل فتعق أباك، فترتكب جريمة أعظم من التي فعلها أبوك، أبوك ظلم بإعطائه لأحد إخوانك شيئاً أكثر مما أعطاك، لا تقابله بجريمة أكبر وهي عقوق الوالدين، انصحه واصبر عليه والله يحكم بينه وبينك وهو خير الحاكمين.

اللهم إنا نسألك السداد في الأمر، اللهم إنا نسألك أن توجهنا الوجهة الصحيحة، وأن تجعلنا ممن يكسبون أموالهم من الحلال وينفقونها في الحلال، اللهم ارزقنا العدل بين أبنائنا والصبر على آبائنا، اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأجدادنا، اللهم واغفر لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك العون على الدَين، ونعوذ بك من الدَين وقهر الرجال، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم أنت أكرم الأكرمين، أنت الغني ونحن الفقراء أغننا من فضلك، اللهم إنا نعوذ بك من الغنى المطغي ومن الفقر المنسي، اللهم أغننا ولا تطغنا، واجعل بلدنا هذا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا فيه، وأطعمنا من خيراته، اللهم لا تجعلنا ممن يظلمون أنفسهم ويظلمون الناس.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.