للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من آداب الرحلة: اغتنام الفرصة في السماع من المشايخ]

ينبغي للطالب إذا نزل بالبلد الذي رحل إليه أن يقدم لقاء من به من المشايخ، ويتعجل السماع خوف اعتراض الحوادث، وقد يمرض هو، قد يمرض الشيخ أو يموت وقد يزول الأمن؛ فلا بد من انتهاز الفرصة، والفرصة كما قيل: سريعة الفوت، بطيئة العودة".

تفوت بسرعة ولا تعود إلا ببطء.

ولا بد من استغلال الغربة في البلد إذا نزل بها، وليعلم أن شهوة السماع لا تنتهي، والعلم كالبحر، فينبغي أن يستغل الفرصة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال).

ومن العلماء الذين كان يضرب بهم المثل في انتهاز الفرصة في السفر في طلب العلم الحافظ أبو طاهر السِلَفِي رحمه الله تعالى، هذا الرجل رجل عجيب! مصنفاته عجيبة ورحلاته عجيبة! بل إن الله سبحانه وتعالى أمد له في العمر فحدث أجيال وأخذ عنه العلم أجيال.

قال عبد القادر الرهاوي: بلغني أنه في مدة مقامه بـ الإسكندرية - أبو طاهر السِلَفِي - ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة، بل كان عامة دهره ملازماً مدرسته، وما كنا ندخل عليه إلا نراه مطالعاً في شيء، وكان مغرماً بجمع الكتب، وما حصل له من المال يخرجه في ثمن الكتب، وكان عنده خزائن كتب فعفنت وتلصقت لنداوة البلد؛ فكانوا يخلصونها بالفأس من كثرة الكتب! وهذا يقول: لي ستون سنة ما رأيت منارة الإسكندرية -وكانت من عجائب الدنيا السبع- إلا من هذه الطاقة، أي: طاقة حجرته في المدرسة، فكان لا يذهب يتفرج على المناظر والآثار وإنما نزل في البلد وجلس يلازم في الطلب والتعلم، ولم ير منارة الإسكندرية إلا من النافذة.

وينبغي عليه أن يدون الفوائد، ويكتب الشوارد، فإن بعض الأشياء التي يقولها الشيخ لا توجد بسهولة في الكتب ولذلك ينبغي أن تكتب، فإذا كان الشيخ يشرح متناً يكتب على حاشية المتن في كتاب يصطحبه، أو كانت فوائد متناثرة يكتبها في دفتر الفوائد، وكان بعض العلماء يصنفون في فوائد رحلاتهم كما صنف صديق حسن خان رحمه الله رحلة الصديق إلى البيت العتيق، وصنف الشنقيطي رحمه الله كتاباً في رحلته إلى مكة وما جمع فيها من فوائد، وهذه الدفاتر -دفاتر الفوائد- لا شك أنها تكون مرجعاً للشخص ذات قيمة لا توصف.

فإذا بلغ الطالب الغرض وحاز في الرحلة ما قصد له وحقق الهدف، فينبغي أن يرجع إلى وطنه ويعجل الرجوع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله) لأن الأهل أيضاً لهم حق، ولا يجوز للإنسان أن يترك زوجته أكثر من أربعة أشهر بحال كما ذكر بعض أهل العلم، وبعضهم قال: ستة أشهر وهذا يختلف باختلاف الأحوال، وبعض الزوجات في بعض البلدان لا تستطيع أن تجلس لوحدها ولو أسبوعاً؛ ولذلك يجب أن يكون الإنسان حكيماً.