للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من مقتضيات الولاء لله: محبة أحباب الله]

من مقتضيات الولاية لله سبحانه وتعالى: أن تحب أحباب الله أن تحب أولياء الله سبحانه وتعالى، وتعادي من عادى الله، ومن أبغض الله، ولذلك عقل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بشكلٍ عجيب، فكان أحدهم يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: يا رسول الله! إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إليَّ من أهلي ومالي، وأحب إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك.

أيها الإخوة: تصوروا مقدار هذه المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم محبة أولياء الله على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متمثلاً في الصحابة، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، أنت ترفع مع النبيين وأنا قد لا أراك، ولو أني قد أدخل الجنة، لكن قد لا أراك، أنا أخشى من هذا يا رسول الله! أنا لا أطيق على فراقك حياً وبعد أن يبعثك الله، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن عنده جوابٌ في المسألة، حتى نزل جبريل بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:٦٩ - ٧٠] هذا فضل الله، ليست الأموال، ولا السيارات، ولا الأراضي، ولا العقارات، ولا الجاه والمنصب {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:٧٠] معية الرسول صلى الله عليه وسلم والصالحين في الجنة، هذا الصحابي مثال لبقية الصحابة.

ولذلك كان أحدهم يترك أخاه وأباه وعائلته وقبيلته وعشيرته ويلتحق بركب المسلمين، لا يواد الكفار ولو كانوا أقرب الناس إليه، بل كان الأمر يصل ببعضهم أن يقتل أباه الكافر؛ لأنه يعادي الله عز وجل.

قال ابن حجر رحمه الله في الإصابة في ترجمة عامر بن عبد الله بن الجراح وهو أبو عبيدة رضي الله عنه، قال: نزلت فيه: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ الآية} [المجادلة:٢٢] قال ابن حجر: وهو فيما أخرج الطبراني بسندٍ جيد عن عبد الله بن شوذب قال: جعل والد أبي عبيدة يتصدى لـ أبي عبيدة يوم بدر، فيحيد عنه -الابن يحيد عن الأب- فلما أكثر من التصدي له، قتله - أبو عبيدة - لأن الأب كافر يعادي الله، وأبو عبيدة مؤمن يوالي الله لا يجتمعان، حتى لو كان هذا من صلب هذا، فقصده فقتله، فأنزل الله هذه الآية: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:٢٢].

هذا المستوى الرفيع في الولاية التي تحققت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أوصلهم إلى ما أوصلهم إليه من محبة الله لهم، ونصرة الله إياهم، كان أحدهم يترك أهله وأقرباءه، ويؤاخي رجلاً بعيداً عنه بعيداً عن نسبه وبلاده، يؤاخي بلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي، يؤاخي هؤلاء يسكن معهم يأكل معهم يجاهد معهم يتعلم معهم، ويترك الكفرة من الأب والابن وغيرهم من أقرب الناس، والمرأة تترك زوجها: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:١٠] هذا الحكم مهم جداً في هذا العصر؛ لأنه قد يوجد معك في بيتك مرتدٌ عن دين الله، لما ابتعد الناس هذا الابتعاد الشديد عن الدين، وانسلخوا عن التوحيد، وابتعدوا عن الله عز وجل، لا بد أن نشعر بمعاني المفاصلة التي كان يشعر بها صحابة رسول الله.