للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال شر الناس عند الله يوم القيامة]

وقال صلى الله عليه وسلم: (شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره) اتقاء فحشه ينفر عنه الناس، لا يطيقونه، وكذلك: (إن من أشر الناس عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه ثم ينشر سرها) ينشر سرها وهو كناية عن الجماع، ويتحدث بما كان بينه وبين زوجته، كما جاء في الحديث الصحيح.

وأما الذي لا يعدل بين زوجاته ويجور ويظلم ولا يقسم بالعدل والميزان والقسطاس المستقيم، فقد قال صلى الله عليه وسلم في شأنه: (إذا كان عند الرجل امرأتان، فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) أي: مائل، رواه الترمذي وهو حديث صحيح، والجزاء من جنس العمل.

وقال صلى الله عليه وسلم: (تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) خداعاً للإطلاع على أسرار الطائفتين فيما حرم الله، وأما الذي يأتي للإصلاح بينهما فليس داخلاً في هذا الوعيد، والذي يكذب في المنام متوعدٌ بوعيدٍ يوم القيامة.

قال صلى الله عليه وسلم: (من تحلم بحلمٍ لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) (ومن استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك -وهو رصاصٌ مذاب -يوم القيامة-) (ومن صوَّر صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ) رواه البخاري، فلا تكذب بمنامك، ولا تخبر بخلاف ما رأيت، فإن هذا وعيده عظيمٌ لمن فعل ذلك، (من قام برجلٍ مقام سمعةٍ ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة رياء يوم القيامة) كمن قام إلى رجلٍ من أهل المال والجاه يتظاهر عنده بالصلاح والتقوى، ليعتقد ذلك فيه ويعطيه من المال والجاه، قام الله به يوم القيامة مقام المرائين وفضحه على رءوس الخلائق.

عباد الله: اللعانون لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة، وما أكثر الذين يذكرون اللعن، وهذا الحرمان لهم كما ورد في صحيح مسلم.

إن ذلك الموقف يوم القيامة شأنه عظيم جداً، حتى أن الله يسألنا فيه عن ألوان النعيم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة -أي: من النعيم- أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد) فإذا كان الله سيسألنا يوم القيامة عن الماء البارد فكيف يكون الحال إذاً؟ كل مجلسٍ نجلسه في الدنيا لا نذكر الله فيه يكون على من جلس فيه حسرة يوم القيامة، وما أكثر مجالس لعب الورق اليوم، وما أكثر مجالس اللهو المحرمة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: (من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه) وأصناف الناس كثيرة، فيما دق من الذنوب وصغر، وفيما عظم وكبر، نسأل الله السلامة والعافية.

وهؤلاء المعاندون الجبارون الذين يبطشون ويظلمون، وهؤلاء الذين يتسلطون على عباد الله تعالى هؤلاء الكفرة المجرمون وغيرهم، الذين ينتفشون اليوم في العالم يكونون أخفض عند الله منزلةً يوم القيامة من سائر الناس، (يخرج عنقٌ يوم القيامة من النار يقول: وكلتُ بكل جبارٍ عنيد) فلا يحزننا إذاً ما نراه من تسلط الكفرة اليوم واستيلائهم على مقاليد الأمور في العالم، يفعلون ما يشاءون يسرحون ويمرحون، فإنها دنيا قصيرة، ثم تكون العاقبة يوم الدين.

اللهم إنا نسألك أن تأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر، اللهم أفشل خططهم، اللهم فرق شملهم، واجعل بأسهم بينهم، وصب عليهم سوط عذاب، اللهم أفشل ما كادوا به للإسلام وأهله، اللهم اجعلهم عبرةً للمعتبرين يا رب العالمين، انصر الإسلام والمسلمين، انصر في سبيلك المجاهدين، اللهم إنا نسألك أن تجعل فرج المسلمين قريباً، عجل فرجنا يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك المغفرة والرحمة للحاضرين، اللهم اكتب مغفرتك ورحمتك لنا أجمعين، واعف عنا في ذلك المشهد العظيم، لا تفضحنا على رءوس الخلائق وأنت الرحمن الرحيم، فإليك اتجهنا، وعليك اعتمدنا، وعليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.