للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التحويل والتوجيه]

سابعاً من وسائل تغيير الأخلاق: التحويل والتوجيه.

مثلاً: شخص عنده غضب أو عنده حدة، أو طمع وفخر وعلو وخيلاء، كيف يحول هذه الأخلاق ويوجهها لكي يستثمرها في الأشياء الطيبة؟ بعض الناس من المشكلات التي يواجهونها في تغيير الأخلاق السيئة أنه يريد أن يجتث الخلق بالكلية، فلا يريد أن يكون عنده خيلاء أبداً، ويكون حاله مثل حال أهل البلدة، أهل بلدة تفجر النهر عليهم وصار يجري باتجاههم وهم يعلمون أنه سوف يغرق زروعهم وثمارهم ومبانيهم فقالت طائفة نبني سدوداً، ونجعل هذا السد يوقف الماء المتدفق، لكن هؤلاء الناس لم يكن على حسبانهم أن يكون الماء متدفقاً بشدة فيهدم السد، وأناس آخرون قالوا: أفضل شيء أن نذهب إلى منبع النهر فنسده، ولا نجعل فيه مجالاً؛ لأن الماء يخرج منه وينبع، ولا خلاص إلا بقطعه من ينبوعه، فلما ذهبوا لسده تعذر عليهم، وأبت الطبيعة النهرية إلا الجريان، فكلما سدوه من موضع نبع من موضع آخر، فأشغلهم منع النهر عن الزروع والثمار والعمران التي كانوا فيها، وفرقة ثالثة رأت ما حل بالأولى من الدمار، وما حل بالثانية من ضياع الأعمال، فأخذوا في حفر مجارٍ للنهر في أماكن يتوجه إليها، فصاروا يحفرون لهذا النهر مجاري وسواقي وفروعاً فتحول النهر عن قريتهم التي كان سيدمرها إلى هذه المجاري ومن المجاري إلى أراضي زراعية قابلة للزراعة، فنبت فيها أشياء كثيرة، فانتفعوا ونجوا من المهالك.

ما علاقة هذا بموضوعنا؟ علاقته أن بعض الناس يقولون: لا بد أن نجتث هذا الخلق اجتثاثاً، ثم لا يمكنهم ذلك ويفشلون، وقد ينشغلون بأشياء عن القضايا الأخرى مثل الطاعات، فالحدة -مثلاً- نستخدمها عندما تنتهك محارم الله، لاحظ معي هذا التحويل، يستخدم الحدة عندما تنتهك محارم الله، ويجعل الطمع في الخيرات والمسابقة فيها وتحصيل الثواب، فبدل أن كان طمعه في الدنيا صار في الآخرة، فالطمع لا زال موجوداً لا يمكن اجتثاثه من النفس، لكن حولناه من الطمع في الدنيا إلى الطمع في الأعمال الصالحة.

الفخر قد يصعب اجتثاثه من النفس بالكلية، لكن بدلاً أن يكون فخراً بالجاهلية وفخراً بالآباء والأجداد وفخراً بالقبيلة فليكن فخراً بالإسلام:

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

فالفخر لا يزال موجوداً في نفسك، لكن حولته إلى فخر بشيء حسن، وهو الفخر بالإسلام.

القهر: الإنسان يحب أحياناً أن يرغم أنوف الناس، يحب أن يكون له العلو والغلبة، فلماذا لا يحول هذا القهر إلى قهر للأعداء، وقهر المنافقين والعلمانيين، وقهر أعداء الله والرد على اليهود والنصارى، والرد على أهل الشبهات فيقهرهم بالحجة، فيصرفه إلى مجرى نافع ومفيد.

الخيلاء: أن يكون عندك خيلاء؟ نعم.

ممكن، لكن حول الخيلاء إلى الأشياء الطيبة -مثلاً- الخيلاء على أهل الباطل، مثل الخيلاء في الحرب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بلبس الحرير ومشية الخيلاء في الحرب، وقال: (هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن) وصار الصحابي يتبختر ويتمايل، ويلبس الحرير أمام صفوف الأعداء، فإذاً: حولنا الخيلاء من شيء سيئ على عباد الله المستضعفين إلى الخيلاء على الأعداء وفي الحرب، فإذاً: هناك خيلاء لكنه يرضي الله ورسوله.

ومن تأمل هذا الباب وجد أن فيه مواءمة وملاءمة لطبيعة النفس، واستفادة وتحصيل أرباح وعدم انشغال بأمور هي أقل جدوى، وهذه المسألة مهمة في التربية، لا يدركها ولا يتفطن لها إلا من وصل فعلاً إلى قناعة بالطرق السليمة في توجيه الأخلاق وتهذيبها.