للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل التحميد في السنة النبوية]

وقد ورد فضل هذه الكلمة العظيمة مع غيرها، وورد فضلها مستقلاً في عدد من النصوص دلالة على أهميتها، قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا جنتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات، ومعقبات، ومجنبات، وهن الباقيات الصالحات) يأتين يوم القيامة أمام الذاكر، ومن خلفه، وعن يمينه، وشماله يحطنه، هذا إكرام الله للذاكر الذي يكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وقد التقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بإبراهيم الخليل لما أسري به، فماذا قال له إبراهيم؟ (أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأخبرهم أن غراسها -غراس الجنة- سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) فهذه وصية من إبراهيم عليه السلام إلينا جاءتنا عبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن نقول ذلك دائماً.

وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن الله تعالى اصطفى لكم من الكلام أربعاً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله؛ كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر مثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه -خالصاً لله- كتب له ثلاثون حسنة، وحط عنه ثلاثون خطيئة) رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ به وهو يغرس غرساً، فقال: (يا أبا هريرة! ما الذي تغرس؟ قال: هذه غراس لي أغرسها، قال عليه الصلاة والسلام -الرحيم بأمته الحريص على تعليمهم-: ألا أدلك على غراس هو خير من هذا؟ قال: أجل يا رسول الله! قال: تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ يغرس لك بكل كلمة منها شجرة في الجنة)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما في شجرة في الجنة إلا وساقها من ذهب)، وقال: (من قال: سبحان الله وبحمده؛ غرست له نخلة في الجنة).

فاستكثروا يا أيها المسلمون من شجر الجنة، فما أسهل القول! وما أسهل الفعل! وما أسهل هذا العمل! وما أعظم الأجر والثواب! ما أعظم الجزاء من ربٍ كريم يمن على عباده! يقول: خذوا بلا حساب، لكن أين العاملون؟! وأين المشمرون؟! وأين الذاكرون الله كثيراً والذاكرات؟! وقال عليه الصلاة والسلام لـ أبي أمامة معلماً إياه فضل الحمد، قال: (ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟ تقول: الحمد لله عدد ما خلق، الحمد لله عدد ما في السماوات وما في الأرض، الحمد لله عدد ما أحصى كتابه، والحمد لله عدد كل شيء، والحمد لله ملء كل شيء، وتسبح الله مثلهن، تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك).

تعلمهن أيها المسلم! وعلمهن أولادك، وعقبك من بعدك.

وعندما تتجدد النعمة يجب على العبد أن يحمد ربه، وإذا علم العبد عظم الحمد بجانب النعمة أسرع لسانه إلى الحمد، قال عليه الصلاة والسلام: (ما أنعم الله على عبد نعمة، فحمد الله عليها؛ إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة) فالحمد لله على ما أنعم وعلى نعمه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:٣٤].

والحمد سبب لرضا الرب عن العبد، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها)، وقال عليه الصلاة والسلام لما دُخل عليه وبنت له تقضي قال كلاماً عظيماً، وهذه القصة صحيحة رواها ابن عباس قال: (أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنتاً له تقضي -تحتضر تموت- فاحتضنها فوضعها بين ثدييه فماتت وهي بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: أنت تبكي يا رسول الله! فقال: لست أبكي إنما هي رحمة، ذرفت عيناه عليه الصلاة والسلام، وقال: إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل) حتى آخر لحظة من الدنيا والمؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل، فهو يحمد الله على كل حال، حتى لو كانت روحه تخرج من بين جنبيه، فهو لا يزال يحمد الله، لماذا؟ يحمد الله على الخروج من سجن الدنيا، ويحمد الله على قضائه فيه وأنه الآن يقبض روحه، فيحمد الله على كل شيء، وعلى كل مكروه، وعلى كل قضاء، حتى إن المؤمن يحمد الله وربه يقبض روحه من بين جنبيه، فيحمد الله على قضائه فيه يحمد الله على لذة الحياة ونعمتها التي أفناها في طاعة الله، فهو يحمد الله على أنه أعطاه النعمة التي حيا بها، فذكر ربه وعبده.