للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموعظة والنصيحة للمتخاصمين]

من الطرق: الموعظة: عندما تعظ كل واحد من هذين المتخاصمين، بالأحاديث التي فيها ذم الهجران والقطيعة، وأنها من أسباب الفشل في المجتمع المسلم: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:٤٦] حديث عائشة في صحيح البخاري، حديث قيم جداً لما صار بينها وبين ابن الزبير خصام.

ما هي الصلة بين عائشة وبين عبد الله بن الزبير؟ هي خالته أخت أمه، ومن هي أمه؟ أسماء.

هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في كتاب الأدب، أن عبد الله بن الزبير انتقد على عائشة خالته تصرفاً تصرفته ببيعٍ أو شراء، فاتهمها بأنها لا تحسن التصرف، فلما سمعت بذلك نذرت ألا تكلم عبد الله بن الزبير أبداً طيلة حياتها، الصحابة بشر ويقع في نفوسهم مثل ما يقع في أنفس الناس، قد يخطئون فينتقدون، والمنتقد أيضاً يحدث في نفسه تفاعل مع الموقف فيتخذ موقفاً آخر، ولكن نحن سنعلم من ثنايا القصة، ما هو الفرق بيننا وبين الصحابة، فبقيت عائشة لا تكلم عبد الله بن الزبير مدة، وطال الأمر وشق على عبد الله بن الزبير.

فتوسط إلى اثنين من القرابة، أن يدخلا على خالته، فجاءا إلى عائشة وعبد الله مختبئ خلفهما، فاستأذن بصوتيهما فقط، فلما عرفتهما عائشة قالت: ادخلا، قالا: كلنا؟ قالت: كلكم، فلما دخلا عليها جعلا يعظانها ويذكرانها بأنه لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث، وجعل عبد الله بن الزبير يقبلها ويبكي ويناشدها أن تكلمه، وكان موقفاً مؤثراً جداً اجتمعت فيه الموعظة، مع التناصح، مع التواصل، فكلمته عائشة وأعتقت في نذرها ذلك، كفارة النذر وكانت كلما تذكرت نذرها ذلك؛ تبكي حتى تبل دموعها خمارها، فالصحابة رضوان الله عليهم يرجعون إلى الحق، ويفيئون بسرعة، ويتأثرون من تذكر الذنب، أو تذكر المشهد، أو تذكر الخطأ، وكانت عائشة تبكي كلما ذكرت نذرها ذلك حتى تبل دموعها خمارها، لكن من منا اليوم لو حصل بينه وبين أخيه قطيعة وتصالح معه، كلما تذكر لحظات أيام الفرقة والهجران بكى -مثلاً- حتى تبتل لحيته أو ثوبه أو تسيل دموعه على خديه؟! فإذاً لابد من الموعظة، التواصي بالحق والصبر لجميع الأطراف، ولابد أن يأتي كلٌ منهما إلى الآخر، لأن المشكلة أحياناً في من يأتي إلى الآخر، ومن يبدأ، ومن الذي يكون من جهته التواصل، هذه المواقف الآن بين كل اثنين بينهما تخاصم، المشكلة من الذي يأتي أولاً ويطلب المفاهمة أو المصالحة، لأن كل واحدٍ منهما يقول له الشيطان: إذا ذهبت معناها أنك أنت الأضعف، معناها: أنك أنت ضعيف الشخصية، معناها: أنك أذللت نفسك لفلان، طبعاً ليس الواصل بالمكافئ لكن الذي يصل من قطعه، ليس مثل الشخص الذي يكافئ الوصل بوصلٍ مثله، ليس الواصل بالمكافئ.

أكتفي بهذا القدر من أسباب التنافر، وعلاج قضية التنافر التي تحدث أحياناً في أفراد المجتمع الواحد.