للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال الصحابة بعد موت سعد بن معاذ رضي الله عنه]

لقد كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا ذكروا سعداً بكوا بكاءً شديداً على تلك السيرة التي فقدت، فهذا الحديث الذي يرويه الإمام أحمد في كتاب: فضائل الصحابة بإسنادٍ صحيح، عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، حفيد سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك، فقال لي: من أنت؟ قلت: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، وكان واقد من أحسن الناس وأعظمهم وأطولهم، الحفيد كان يشبه جده، فقال أنس: إنك لـ سعد لشبيه، ثم بكى وأكثر البكاء، ثم قال: رحمة الله على سعد! كان من أعظم الناس وأطولهم، ثم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساق قصة هذه الجبة من الحرير، وأخبر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مناديل سعد في الجنة أعظم من هذا الحرير بكثير.

وهنا أيها الإخوة! أختم لكم بوصف عائشة رضي الله عنها لحال الصحابة عند موت سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه بين أيديهم.

تقول عائشة: قال سعد بعد ما حكم في بني قريظة: [اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، قالت: فانفجر كلمه] هذا ليس دعاء على نفسه بالموت، لأنه قال في إحدى الروايات: [فافجر جرحي هذا] أو [افجر هذه واجعل موتتي فيها] سعد رضي الله عنه جرح في المعركة، فأراد ألا يفوته أجر الشهادة في سبيل الله، فدعا الله أن يميته من هذا الجرح الذي حصل له وهو يقاتل في سبيل الله، فانفجر كلمه وكان قد برئ حتى لا يرى إلا مثل الخدش.

لما قضى سعد في بني قريظة وقتلوا، ودعا سعد الله قال: [اللهم إن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني لهم] لكن لم يبق شيء من الحروب التي كان سيكون للمشركين فيها شأن، وما بقي من الحروب كان كله انتصارات للمسلمين.

[فاستجاب الله دعاءه؛ فانفجر كلمه، ورجع إلى قتبه الذي ضرب عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت: فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي -هي في حجرتها والخيمة في المسجد في الساحة- وكانوا كما قال الله عز وجل: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩].

قال علقمة: قلت: أي أمه! فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته] كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجد أمراً حزيناً كان يأخذ بلحيته كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتمالك نفسه، وهذا الحديث في السلسلة الصحيحة في المجلد الأول.

إذاً: أيها الإخوة! هذا الموقف يعكس لنا حب الصحابة لبعضهم يعكس لنا تماسك المجتمع الإسلامي يعكس لنا أثر الفرد في المجتمع الإسلامي يعكس لنا رحمة الصحابة فيما بينهم، هذا المثل الذي يجب أن يكون قدوة لنا نحن الآن ونحن نعيش في مجتمع، نحاول أن نعيش في مجتمع من الأخوة الإسلامية، كثيرٌ من الناس اليوم فقدوا معاني الأخوة الإسلامية فقدوا الترابط فقدوا الحنان والعطف فيما بينهم فقدوا حسن الأخلاق والمعاملة فقدوا سؤال بعضهم عن بعض، فقدوا أشياء كثيرة.

إن هذه القصص كفيلة إن شاء الله بأن تعيد إلينا جميعاً روح الأخوة الإسلامية الصحيحة التي تربط بين أفراد المجتمع المسلم حتى تجعله جداراً صامداً أمام سهام الأعداء ومخططاتهم وفقنا الله وإياكم لهدي كتابه وأن نسير عليه سيراً حسناً.

اللهم واجعلنا ممن يقتفون آثار نبيك وصحبه عليهم رضوان الله تعالى، ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعل هذه الكلمات عوناً لنا في درب طاعته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.