للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قبس من كتاب الله]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فربما تستمعين أيتها المرأة المسلمة لهذه المحاضرة، وهي عبارة عن مجلة بعنوان: "مجلة المرأة المسلمة" وهذه المجلة تتكون من صفحات، فمن ضمن صفحاتها: "قبس من كتاب الله" ثم "من مشكاة النبوة" ثم يكون لك موعد مع مقال بعنوان: "يا إلهي ماذا أفعل".

ثم قصة أو حدثٍ وموعظة بعنوان: "كان لي مع النار موعد" وبعد ذلك مقالة بعنوان: "واجبنا نحو العائدات إلى الله عز وجل".

ويلي ذلك: فتاوى المجلة أسئلة وأجوبة، ويليها بعد ذلك مقال بعنوان: "الحجاب ليس عقبة" من كلام فتاة أمريكية أسلمت.

وبعد ذلك ستستمعين إلى فقرة بعنوان: "نماذج ومعاني" ثم مقالة بعنوان: "وجلست في البيت" وبعد ذلك "مشهد وتعليق".

وتستمعين كذلك إن شاء الله في هذه المجلة إلى قصة مؤثرة بعنوان: "سيدة نصرانية يبكيها القرآن الكريم" وبعد ذلك "لغز العدد" ثم "طرفة العدد"، ونختم بذلك هذه المجلة لنجيب على ما تيسر من الأسئلة الواردة من قبلكن.

الصفحة الأولى: قبس من كتاب الله لما خرج موسى من بلده مصر فاراً إلى مدين بعدما قتل القبطي الفرعوني، وعلم أنهم سيقتلونه هرب بعد نصيحة الرجل: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:٢٠ - ٢١].

ولما توجه تلقاء مدين دعا موسى ربه فقال: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص:٢٢].

{وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص:٢٣] وهو بئر في بلدة مدين بين الشام والحجاز: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص:٢٣] يسقون أغنامهم، مجموعة من الرعاة معهم مجموعة أغنام يسقونها {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:٢٣] تكفكفان غنمهما عن بقية الرعاة، وتبعدان الغنم عن غنم الآخرين: {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} [القصص:٢٣] رق لهما ورحمهما لماذا هما واقفتان تنتظران وتذودان الغنم: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣] لا نستطيع السقي حتى ينتهي الرعاة من السقي، ولا نريد أن نزاحم الرعاة، إنه ذلك المشهد الممتاز لحال المرأة الصالحة التي لا تريد مزاحمة الرجال، ولذلك قالتا: لا نسقي حتى يصدر الرعاة وينتهوا، وبعد ذلك نحن نذهب لنسقي.

قارني بين هذا المشهد الرائع وبين حال المرأة المسلمة اليوم التي تنزل إلى الأسواق وتزاحم الرجال، وتدخل في الزحام في أي مكان كان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس للنساء وسط الطريق (ليس لكن أن تحققن الطريق) يعني: تسرن في وسطه، كان النساء يمشين في جنبات الطريق، والرجال يمشون في الوسط، لم يكن هناك اختلاط بين النساء والرجال حتى في مكان المشي.

{قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:٢٣] نريد أن نجلس في البيت بدلاً من هذا العناء والتعب، ليس عندنا رغبة في العمل لكننا مضطرتان للعمل؛ لأن أبانا شيخ كبير لا يستطيع أن يذهب لرعي الأغنام، ولا للقيام بشئون هذا الرزق الذي عندنا، فنحن مضطرتان للعمل، قارنوا بين ذلك وبين تهافت النساء بحاجة وبدون حاجة على العمل، وكأنها تريد أن تثبت ذاتها بالعمل، وكأنها ليس لها قيمة في المجتمع إلا إذا عملت، أما أن تجلس ربة بيت، تطيع زوجها، وتربي أطفالها، وتقوم بشأن بيتها، وهذه القلعة الحصينة التي هي موجودة فيها فذلك لا يمكن في عرف نساء اليوم إلا من رحم الله، لأنها تنظر إلى البيت على أنه سجن، وأن الوظيفة هي حلم المستقبل الذي يداعب خيالها باستمرار، فهي تدرس لأجل أن تثبت ذاتها في المستقبل، لا بد أن تخرج إلى المجتمع كما يقولون وتبرز ما عندها.

نعم.

لو كانت محتاجة أو كان المجتمع محتاجاً لقلنا إن لها عذراً، فإذا خرجت بالشروط الشرعية من الحجاب الشرعي، وعدم الزينة، وعدم الاختلاط بالرجال ولا الخلوة بهم، لكن مع الأسف صارت المسألة الآن مسألة خروج، لأن الموضة تقول للمرأة: الخروج الخروج من هذا السجن يا أيتها المرأة! والله عز وجل يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:٣٣].

ولما خرجت المرأة في أوروبا إلى العمل اضطراراً بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وفقد عدد كبير من الرجال، واحتياج بلدانهم إلى إعادة البناء، خرجت نساء المسلمين إلى العمل ولو لم يكن هناك حروب ولا قتل لعدد كبير هائل من الرجال، وإنما لأجل الفتنة والإغواء، فلذلك أنت ترينها في مختلف الأماكن لا تكاد تتمسك بالحجاب الصحيح منهن إلا من رحم الله.

{قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا} [القصص:٢٣ - ٢٤] موسى عليه السلام، وتيقظت حاسة الشهامة في نفسه إنه لا بد من عمل شيء لإنقاذ هاتين المرأتين الضعيفتين، لا يمكن أن يدعهما تنتظران هكذا فسقى لهما، قال عمر رضي الله عنه: [لما ورد ماء مدين موسى وجد عليه أمة من الناس يسقون، فلما فرغوا أعاد الصخرة على البئر ولا يطيق رفعها إلا عشرة من الرجال، فإذا بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما؟ فحدثتاه، فأتى الحجر فرفعه لوحده، ثم لم يستق إلا دلواً واحداً حتى رويت الغنم] رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح.

لما سقى لهما موسى عليه السلام الغنم كلها، ورفع الصخرة لوحده، وبعد هذا المجهود الجبار، بالإضافة إلى تعب السفر الأصلي، تولى إلى الظل لكي يستريح وهو يدعو ربه قائلاً: {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] هكذا أهل الخير، يفعلون الخير، يغيثون الملهوف، يساعدون الضعيف، ولا يطلبون أجراً، ولا يشترطون ذلك: {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] إنني محتاج إلى خيرك يا رب مفتقر إليه، كان بطنه لاصقاً من الجوع، وكان محتاجاً إلى شق تمرة، تولى إلى الظل وجلس تحت شجرة، ودعا الله بهذه الدعوة: {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤].

فجاء الجواب بسرعة من مدد الله السميع العليم، السميع دعاء عباده، العليم بأحوالهم، يدل على ذلك هذه الفاء التعقيبية التي جاءت في مطلع الآية: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:٢٥] جاءته وجاء معها الفرج، جاءته إحدى البنتين تمشي على استحياء، لم تأت متميعة متكسرة في مشيتها كحال كثير من البنات اليوم، وإنما جاءت تمشي على استحياء، وصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشيتها فقال: [جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها] يعني: رفعت الثوب على الوجه، فأين فتاة الإسلام اليوم عن هذا الحجاب المعروف وهو غطاء الوجه من ذلك الزمن القديم، زمن القرية التي كان فيها موسى قبل آلاف السنين؟! قال عمر رضي الله عنه: [جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها ليست بسلفع خراجة ولاجة] وهذا إسناد صحيح، ليست بسلفع يعني: ليست جريئة سليطة، لأنها تربية رجل صالح في بيئة صالحة جاءت تمشي على استحياء وتقول له: إن أبي يدعوك، لست أنا الذي أدعوك، وإنما أبي الذي يدعوك، وتوضح الهدف من الدعوة لكي تزول كل ريبة من هذه الدعوة، ما هو الغرض منها؟ {لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:٢٥] وهذا أدب في العبارة ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا.

{فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:٢٥] لما أخبره بقصة قتله للرجل القبطي وهربه، قال له ذلك الرجل الصالح: لا تخف، طب نفساً، وقر عيناً، فقد خرجت من مملكتهم فلا حكم لهم في بلادنا، ولهذا قال: {نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص:٢٥].

وهنا تسر إحدى البنتين لأبيها كلاماً مهماً تقول له: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} [القصص:٢٦] أرحنا من العمل وعنائه، أرحنا من التعرض للرجال، أرحنا من المواقف المحرجة، أرحنا من البهذلة والانتظار في الشارع، يا أبت! استأجره لنرتاح، يرعى الغنم حتى نقعد نحن في البيت متسترات بدلاً من هذا الخروج المشين: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:٢٦].

قيل: إن أباها قال لها: وما يدريك أنه قوي؟ وما يدريك عن أمانته؟ فأخبرته عن قصة رفعه الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال؛ وهذا دليل على قوته، وأنها لما جاءت تمشي تقدمت أمامه فقال لها: كوني ورائي فإذا اجتنبت الطريق -أخطأت- فاحذفي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليها، أي: أنه لا يريدها حتى أن تتكلم، ولا تمشي أمامه حتى لا يراها، وإنما تمشي خلفه وهو يمشي أمامها، فإذا أخطأ حذفت الحصى يميناً أو شمالاً فيعلم من أين يتجه وإلى أين يسير فهو أمين.

وهنا يتدخل الأب فعلاً ويلبي طلب ابنتيه فيقول لموسى منتهزاً الفرصة: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:٢٧] سبحان الله! ليس من العيب أن يعرض الأب ابنته على الرجل الصالح، وليس من الغضاضة في شيء أن ينتهز ال