للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موعظة بعنوان: كان لي مع النار موعد]

والآن إلى هذا الحدث والموعظة كنت يوماً واقفة أمام المرآة لأعتني بشعري، كما هي عادة كل بنت في مثل سني، إلا أنني والحمد لله لا أبالي في ذلك كثيراً، وكان كل فرد من أفراد الأسرة منشغلاً بنفسه، وأنا الأخرى كنت منشغلة بنفسي، حيث الضيوف سيأتون إلينا بعد صلاة الجمعة ويا له من موعد، ولكنه موعد من النوع الآخر، لم أكن قد تهيأت لهم، أي موعدٍ هذا؟ قبل أن أضع قدمي على عتبة المطبخ ذهبت ثانية إلى المرآة لأتأكد من تصفيف شعري ولكن ليس للضيوف إنما هو لشيء آخر لم أكن أعلمه، دخلت إلى المطبخ لإعداد وجبة الغداء، وفي نفس الوقت لم يكن عندي أحد، أمسكت بيدي اليمنى الزيت، وبيدي اليسرى باب الفرن لأفتحه، وضغطت على الزيت وإذا بالنار تخرج من داخل الفرن وكأنها عدو يتربص بي، والنار تلفح وجهي ويدي وشعري الذي اعتنيت به قبل قليل، وما إن أحسست بحرارة اللهب حتى خرجت من المطبخ بسرعة وأنا رافعة صوتي، ولا أدري ماذا أقول، وإذا بأختي تأخذني وأنا في تلك الساعة نسيت كل شيء، وتذكرت النار يوم تلفح الوجوه، نسيت المرآة ونسيت شعري، ونسيت كل شيء.

أما أمي جزاها الله عني كل خير فكانت تصلي، فما إن سمعت صوتي المرتفع إلا وقطعت صلاتها وخرجت وهي لا تدري ماذا حصل، وعندما رأيتها دفنت وجهي في صدرها وشعرت بدفء حنانها، إلا أنها دفعتني قليلاً حتى لا تؤلمني بقايا الحروق التي رسمت في وجهي درساً لي ولأهلي عن اليوم الآخر، وراحت أمي تبكي بكاءً قطع نياط قلبي، وفي ظنها أن عقلي قد ذهب من شدة المصيبة، وكل من حولي قد تأثر من هذا الموقف وكان درساً كما ذكرت.

وذهبت أخاطب نفسي يا نفس! كيف هي إذاً نار الآخرة، وأنت لم تتحملي هذا اللهب؟ يا نفس يا نفس وبقيت في وجهي آثار الذكرى أراجعها على المرآة، ويحفظها أهلي عن ظهر قلب، وشاء الله أن أذهب في ذلك اليوم إلى مكتبة المنزل، وتقع يدي على كتاب عن النار وما فيها من الأهوال، وأنها سوداء مظلمة يركب بعضها بعضاً، وأنها تكاد تميز من الغيظ، وأن لها زفيراً وشهيقاً تكاد تنخلع من هولهما أقسى القلوب، وفيها مقامع من حديد، مطارق وملابس من نار من قطران -النحاس المذاب- وشراب الحميم والغسلين، وطعام الضريع، شوك لا يسمن ولا يغني من جوع، وشجرة الزقوم التي طلعها كأنها رءوس الشياطين، وفيها من الأهوال ما لا يخطر ببال إنسان حي، فيها من الأهوال ما يشيب له الولدان.

وتذكرت ما ينبغي علي أن أفعله للنجاة من هذه النار، أنني لم أتحمل هذه اللحظات من نار الدنيا التي هي جزء من سبعين جزءاً من نار الآخرة، فكيف سيكون الحال إذا وقعت فيها يوم القيامة وماذا سيكون الشأن؟! وأقول أخيراً: أختي المسلمة! أنت دائماً قريباً من نار الدنيا في مطبخك، فهذا القرب من النار واعظك لتكوني أشد الناس خوفاً من نار الآخرة، أنجانا الله وإياكن منها.