للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المواطن التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم]

إننا -أيها الإخوة- نحتاج إلى مراجعة حساباتنا وتصرفاتنا تجاهه صلى الله عليه وسلم، ونحن قد ذكرنا في درس ماض محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطريق إليها، ونخصص هذه الخطبة إن شاء الله لبيان حق واحد من حقوقه عليه السلام وهو: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضلها وأهميتها ومواطنها، وقبل أن نبدأ -أيها الإخوة- أذكركم بأن من آداب خطبة الجمعة، الإنصات للإمام، وعدم رفع الصوت من قبل المأمومين حتى ولو كان الرفع بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وإنما تكون الصلاة عليه إذا ذكر في النفس، سراً كما قال العلماء.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦]، فأمر الله سبحانه وتعالى بالصلاة والسلام، ولهذا قال النووي رحمه الله: والمشروع الجمع بين الصلاة والسلام معاً، وعدم إفراد كلٌ منهما لوحده، هذا هو المستحب مصداقاً لما جاء في الآية، إلا ما ورد الدليل بتخصيص أحدهما، وصلاة الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، كما قال أبو العالية فيما جاء عنه بإسناد حسن: هو ثناؤه عليه عز وجل، الصلاة من الله: ثناء الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن الملائكة ومن المؤمنين الدعاء له عليه الصلاة والسلام.

وقد عد رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يترك الصلاة عليه بخيلاً، فقال: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ علي).

رواه أحمد، وهو حديث صحيح، ولذلك قال العلماء: بأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم واجبة لابد منها، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد! أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك من أمتك أحد صلاة، إلا صليت عليه بها عشراً، ولا يسلم عليك أحد من أمتك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشراً، فقلت: بلى أي ربي) رواه أحمد وهو حديث صحيح.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من عند ربي عز وجل، فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة، كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها) أربع مكافآات لمن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشر حسنات تكتب، وعشر سيئات تمحى، وعشر درجات ترفع، ويرد عليه بمثل ما صلى على رسوله صلى الله عليه وسلم.

رواه أحمد وهو حديث صحيح.

ولأجل هذه النعمة التي أنعم الله بها على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد سجد عليه السلام شكراً لربه على هذه النعمة كما جاء في الحديث الصحيح، وأخبر عليه السلام أيضاً، بقوله: (ما من عبدٍ يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة، مادام يصلي علي، فليقِل العبد من ذلك أو ليكثِر) ولابد من الإكثار، وهذا حديث حسن.

بل إن الله قد خص ملائكة معينين وظيفتهم السياحة في الأرض لتبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم سلام أمته عليه، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد وغيره: (إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام) بل إنه أكثر من ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن الذي رواه الطبراني عن عمار بن ياسر مرفوعا: (إن لله تعالى ملكاً معيناً أعطاه الله سمع العباد، فليس من أحد يصلي عليّ إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي ألا يصلي عليّ عبد صلاة إلا صلى الله عليه عشر أمثالها).

وقال عليه الصلاة والسلام موضحاً أكثر: (أكثروا الصلاة عليّ، فإن الله وكل بي ملكاً عند قبري، فإذا صلى علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد! إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة) ملك أعطاه الله أسماء العباد يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام كل واحد باسمه، وهذا حديث حسن.

وقال عليه الصلاة والسلام: (ما من واحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام) حديث حسن، رواه أبو داود رحمه الله تعالى.

فترد الروح إليه صلى الله عليه وسلم لكي يرد على المصلي منا عليه صلاته وسلامه، فأي أجر وأي فضل أعظم من هذه الأشياء.

ولقد بلغ من فضل الله علينا أنه جعل صلاتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم تبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أينما كان المصلي عليه في أي مكان من أقطار الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: (حيث ما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني) سواء كنت عند قبره أو كنت في هذا المكان، أو كنت في أقصى الأرض، فإذا صليت على رسول الله بلّغ الله تعالى صلاتك لرسوله صلى الله عليه وسلم.