للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من فوائد اليوم الآخر: أن النفس إذا علمت العوض استعدت للبذل]

النفس عندما تعلم ضخامة العوض، وأن طاعة الله عاقبتها جنة عرضها السماوات والأرض، نعيمها لا يفنى، وعيشها دائم، أكلها وظلها دائمان، وما فيها من أنواع النعيم، فإن هذا الجزاء العظيم ينسي المسلم تعب العمل وكده لله عز وجل؛ لأنه يتطلع إلى الأمام، يتطلع إلى الآخرة، فنعيم الجنة ينسيه ما في طاعة الله من المشقة والتعب.

والعبادة لله تكاليف فيها مشقة على العبد، في الصيام، أو في الحج، وحتى في إخراج زكاة المال فيها تكاليف شاقة لكن العباد يستطيعونها، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، لكن هل فيها مشقة؟ نعم، هل فيها جهد؟ نعم، هل فيها عمل؟ نعم، لا جنة بلا عمل أو تعب أو جهد أو مشقة يقوم بها العبد فكيف إذاً سيتحمل العباد المشقة والجهد في طاعة الله؟ وكيف سيتخلون عن هذا النعيم؟ كيف سيقوم المصلي لصلاة الفجر من دفئ الفراش والنوم الهانئ؟ كيف سيقوم منه إلى صلاة الفجر بتلك المشقة والتعب؟ إذا لم يكن هناك عوض ولم يكن هناك جزاء هل كان سيهجر مضجعه ليقوم إلى المسجد لصلاة الفجر؟ وقل مثل ذلك في جميع الأعمال التي يقوم بها العباد لرب العالمين، فاليوم الآخر إذاً هو المتنفس هو الأمل هو النعيم الحقيقي الذي ينسي المسلم التعب الذي يتعبه في الدنيا، وهو النعيم الذي يعوض المؤمن عما يفوته الآن من نعيم الدنيا؛ لأنه يعمل لله رب العالمين.

إن النفس إذا علمت عظم العوض استعدت للبذل، ما الذي يجعل المقاتل المجاهد في سبيل الله يدفع روحه ونفسه وماله لله رب العالمين؟ إذا لم يكن هناك عوض أكبر من التضحية بالنفس والمال هل كان سيضحي بنفسه وماله؟ والكفار على النقيض من المؤمنين لا يفكرون في اليوم الآخر مطلقاً، ولا يحسبون له أي حساب: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} [الإنسان:٢٧] الدنيا، ولكنهم: {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان:٢٧] ثقيلاً عليهم بطوله، كان مقداره خمسين ألف سنة، ثقيلاً عليهم بتبعاتهم لأنهم سيحملون أوزارهم على ظهورهم وينتظرون في ذلك الموقف العظيم تحت الشمس الدانية من رءوسهم والعطش الكبير، ثم يقولون: عطشنا ربنا فاسقنا؛ فإذا جهنم يحطم بعضها بعضاً، فيساقون بالسلاسل والأغلال إلى النار {فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:٧٢] فهو يوم: {وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان:٢٧] هؤلاء الكفرة الذين لم يكونوا في الدنيا يفكرون بهذا اليوم، سيصبح هذا النسيان وبالاً عليهم يوم القيامة.