للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الثالث: الجهاد في سبيل الله]

وكذلك فإن من الأمور العظيمة التي تعين على الوقاية من حر النار: الجهاد في سبيل الله، ولو كان ذلك في فصل الصيف شديد الحرارة فإنه يجاهد ويخرج للجهاد، ولذلك فإن المنافقين لما قالوا: {لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة:٨١] رد الله عليهم بقوله: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً} [التوبة:٨١] ولذلك فإن الجهاد في سبيل الله ماض صيفاً وشتاءً كما كان المسلمون يفعلون (وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الكسوف في يوم شديد الحر، فأطال القيام حتى جعل أصحابه يخرون من شدة الحر، فأطال الصلاة والركوع والسجود، ثم أخبرهم أنه رأى أثناء صلاته النار وفيها امرأة تعذب في هرّة ربطتها، لم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، قال: ورأيت أبا ثمامة عمر بن مالك يجر قتبه في النار، وقد كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، فقال: وإنهما آيتان من آيات الله) الحديث أخبرهم بما رأى في النار، بل إنه جعل ينفخ حرها عن أصحابه خشية أن تأكلهم، وأخبرهم بما رأى فيها، فخر الصحابة وراءه من شدة الحر في الصلاة التي صلاها صلى الله عليه وسلم.

إننا -أيها الإخوة- إذا ذكرنا حال المسلمين كيف كانوا يصبرون على لأواء المدينة وحرها وشدتها، ومن يصبر على حرها فإنه يؤجر من الله أجراً عظيماً، إنهم كانوا يصلون وراءه صلى الله عليه وسلم، ويعانون معاناةً شديدة، كان الرجل يأتي معه بكف من حصباء من حصى يبردها في يده، يأتي بها المسجد ليضعها موضع سجوده! ونحن تحت الأسقف وفي هذه المكيفات لا بد أن نذكر نعمة الله سبحانه وتعالى علينا، والله عز وجل قد امتن على عباده بأن جعل لهم من الأسباب ما يقيهم الحرارة فقال سبحانه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل:٨١] هذه الآية في سورة النعم، وهي سورة النحل التي عدد الله فيها على عباده أنعاماً كثيرة، فإن الثياب ولا شك منها ما يقي الحر كالذي يلبس على الجلد، وكذلك يلبس على الرأس لتغطيته، ولو لم يغطِ رأسه في الحر الشديد أو لم يغطِ جسمه لاحترق جلده، وهذا مشاهد معروف، أو أصيب بضربة شمس، فإذا جعل الملابس تقي الحر فكذلك تقي البرد من باب أولى، وإنما خاطب العرب بذلك لأنهم كانوا أصحاب حر في الغالب، فجعل الله الظلال وجعل الله اللباس، وجعل لنا في هذا العصر المكيفات {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٨] وهذه نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى ينبغي أن تذكر فلا يكفر عز وجل، بل يحمد سبحانه على ما جعل لعباده من الوسائل الواقية.

عباد الله: إننا وفي الجمع وغيرها من مواسم الازدحام في الحر نذكر كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون معه، فيضع أحدهم طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود، وأخذ العلماء من ذلك جواز أن يسجد الإنسان على طرف ثوبه، وأنه لا بأس ولو كان هذا اللباس عليه أن يضع طرفاً منه على الأرض، وأنه لا يشترط أن يكون منفصلاً، ويؤخذ كذلك من تأخير الصلاة والإبراد بها في الظهر المحافظة على أسباب الخشوع.