للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تلقي العلم عن المشايخ]

ومن الأشياء المهمة في المنهج: أن يُتلقى العلم عن شيخ ما أمكن ذلك ولابد؛ لأن هذه هي طريقة سلف الأمة وعلمائها، والشيخ الذي تتلقى عنه العلم لابد أن يكون قد تلقاه عن علماء، لهم سند موصول، ويكون حسن العقيدة، يعمل بما يعلم، ويتأسى بالسنة، هذا من ناحية منهج الشيخ.

وأما الاعتماد على الكتب، والذي يظن أنه سيكون طالب علم نجيب من الكتب، فهو مخطئ، صحيح أنه قد يحصل على علم، لكن لا يكون طالب علم بالمعنى الحقيقي على الكتب، وهذه قضية اضطرارية، ربما وجد في بلد لا يوجد فيها علماء ولا مشايخ، ماذا يفعل؟ هل يقول: مادام لا يوجد علماء لا أطلب علم؟ لا، اقرأ في الكتب الميسرة، أنت في أمريكا اتصل على عالم، قل له: يا شيخ! أنا أعيش في جزيرة كلها كفرة، ماذا أفعل في طلب العلم؟ وماذا تنصحني أن اقرأ؟ يعطيك بعض الكتب اقرأ فيها، يشكل عليك شيء تتصل وتسأل، هذا المتيسر بالنسبة لك، أما من يظن أنه سيكون طالب علم حقيقي بناءً على الكتب، فهذا بالتأكيد مخطئ، وهذا شيء قد بينه أهل العلم، فقال قائلهم:

يظن الغمر أن الكتب تهدي أخا فهمٍ لإدراك العلوم

وما يدري الجهول بأن فيها غوامض حيَّرت عقل الفهيم

إذا رمت العلوم بغير شيخ ضللت عن الصراط المستقيم

وتلتبس العلوم عليك حتى تصير أضل من تُومَ الحكيم

والعلماء كانوا يوصون بالأخذ عن أهل السنة، وترك أهل الرفض وأهل الاعتزال، وأهل الكلام والمتفلسفين، أو أخذ العلم عن الصحف، خذ العلم عن عالم تلقاه عن مشايخ ثني الركب تأدب بالأدب، لكن كما قلنا ونعيد: هذا الآن مع فشو الجهل في العالم الإسلامي فضلاً عن غيره، قد لا يتيسر وجود علماء، قد نسافر نعم، لكن كثيراً من الشباب لا يستطيعون السفر بسبب ارتباطهم بدراسة أو بوظيفة، إذاً: يستغل الإجازات قد يأتي العالم إلى المنطقة فيلقي دروساً، قد يكون هناك طالب علم، الأمثل فالأمثل، طويلب علم، أقران تدرس معهم وتقرأ قراءة جماعية، أما أن تعتزل وتغلق على نفسك لوحدك، فهذا يؤدي إلى أخطار في الفهم.

أيها الإخوة! نحن نعيش في حالة فوضى في كل شيء، فمن ضمن التأخر والتقهقر الذي ابتلينا به: التقهقر والتأخر في العلم، منذ زمن كانت البلد مثلاً فيها حلق علم، هذه حلق للمبتدئين، وهذه حلق للمتوسطين، وهذه حلق للمتقدمين، وهذا الشيخ متخصص في المبتدئين يعلمهم الأشياء البدائية، ينتقلون إلى شيخ آخر -مثلاً- إذا صاروا في مرحلة التوسط، ثم إلى شيخ آخر في المرحلة المتقدمة، أو نفس الشيخ والعالم يكون عنده حلقة للمبتدئين، وحلقة للمتوسطين، وحلقة للمتقدمين، كان هناك تكامل في البلد نفسها، الآن على أحسن الأحوال قد يوجد في بعض البلدان أو الأماكن والمدن حلق منتشرة كثيرة، لكن ليس هناك حلق متخصصة تخرج مبتدئين إلى حلقة بعدها للمتوسطين إلى حلقة بعدها للمتقدمين مع الأسف! فلابد أن يسعى إلى إيجاد هذا، وهذا من مسئوليات أهل الاختصاص من القائمين على أمور الدعوة والعلم، والجهات المسئولة عن نشر العلم، لابد أن توجد حلق للمبتدئين، وحلق للمتوسطين، وحلق للمتقدمين.

أما أن الشباب يظهرون هكذا، يأخذون قائمة حلقة المشايخ، أين نذهب اليوم؟ شرح صحيح البخاري، أين نذهب اليوم؟ تفسير.

أين نذهب اليوم؟ نحو فرائض! من أولها هكذا يشتغلون، وهذا يدمر عليهم أشياء كثيرة، الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كان له حلق للمبتدئين والمتقدمين، كان إذا رأى طالباً جاء من حلقة المبتدئين وحضر في موعد حلقة المتقدمين، فأول ما يراه يطرده، لأن وجوده هنا يضره، وذلك: أولاً: أنه لا يستطيع أن يفهم.

ثانياً: قد يتباهى، ويقول: أنا حضرت مع المستوى الممتاز، وهذا يضر إخلاصه وقلبه، فلذلك يجب القضاء على الفوضويات وترتيب الدروس بناءً على المستويات، لابد أن تكون هناك منهجية في الطلب، وإحياء سنة المتقدمين.