للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم تعلُّم اللغة الأجنبية

أيها الإخوة: سيطول الكلام ولم ينفصل بعد في ذكر مزايا اللغة العربية ومقارنتها باللغة الأجنبية، ولا أرى أن الوقت يتسع لذلك، ولكنني سأختم بمسألة: إذا قال قائل: هل تريد أن تقول بتحريم دراسة اللغة الأجنبية؟ ف

الجواب

كلا -أيها الإخوة- لأننا نعرف يقيناً أننا في مرحلة استضعاف، ونقدِّر عصرنا حق قدره، ونعرف أن المراجع والجامعات والابتعاث ولغة الخطابات والشركات والكمبيوتر (الحاسب الآلي) كل ذلك باللغة الإنجليزية، ونعرف أننا نحتاج إلى تعلمها، وأننا لن نتمكن من اقتباس العلوم إلا بذلك، وعندنا الدليل على جواز تعلم اللغة غير العربية للحاجة.

روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده، قال زيد: (ذُهِبَ بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله! هذا غلامٌ من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا زيد! تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن اليهود على كتابي.

قال زيد: فتعلمت كتابهم، وما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب -أي: إليهم).

إذاً: تعلم اللغة الأجنبية للحاجة جائز، ولكن الحاجة تقدر بقدرها، فإذا لم يوجد حاجة لتدريس الأطفال في الروضات فلا ندرسهم، وعلينا أن نقدر المرحلة التي يدرسون فيها، ولا مانع عندنا من أخذ الحكمة من أي مكان، ثم قد ذكرنا أن العلماء قالوا: لا بأس بالكلمة بعد الكلمة، فلو أن أحد الناس قال مرة ( Ok ) لا ننكر عليه ونقول جريمة وحرام، لكن أن تصير اللغة عادة لأهل المصر في المكاتب وفي الشوارع وفي البيوت، فتجد العرب يتكلمون مع العرب باللغة الإنجليزية دون داعٍ يصبح ذلك عادةً ومظهراً، فهذا الذي ينبغي إنكاره أيها الإخوة.

ثم ينبغي نشر اللغة العربية والكتب الشيقة السهلة للطلاب، واستخدام وسائل العرض الحديثة والمكافآت والحوافز، ومجامع اللغة العربية تعمل، وتتخذ القرارات على مستويات عليا في تعميم إنتاج المجامع العربية، وقد وجدت تجارب جيدة، لكنها لم تعمم، وكذلك ينبغي أن تعقد الدورات والدروس في المساجد وغيرها، وحتى الأب يدرب ولده وهو يمشي معه في الشارع، ويقول: اعرب لي كذا، وإذا كان الأب لا يحسن شيئاً فكيف سيربي ولده على اللغة العربية في كل جملة تمر عليه؟ إذا كانت تبدأ بفعل فابحث عن الفاعل وارفعه، وعن المفعول وانصبه، وإذا بدأت باسم فهو المبتدأ فارفعه، وابحث عن الخبر وارفعه كذلك.

ويجب أن نستخدم اللغة في كل شي، كإشارات الشوارع، ولوحات الدكاكين، والملصقات والمنتجات، ووصفات الأدوية، وغير ذلك، وكلما وجدنا سبيلاً لإشاعة اللغة أشعناها، وإذا وجدت الحاجة لدراسة اللغة الأجنبية درسناها، ولكن أن ننقل العربية إلى لغة كوريا آكلي الكلاب، فإن هناك مشروعاً لنقل اللغة الإنجليزية والمصطلحات العالمية أولاً بأول إلى اللغة الكورية، وهكذا يفعل اليابانيون وغيرهم، ونحن سادة الدنيا، ونحن أفضل أهل الأرض، وديننا أفضل الأديان، ولغتنا أفضل اللغات.

اليهود أحيوا العبرية وهي ميتة، ونبشوها من القبور عظاماً بالية، ويكتبونها على صدورهم وسيارات الإسعاف، وكل شيء تجده عندهم مكتوباً، لأنهم يريدون قومية مستقلة، ولغة مستقلة، ونحن أولى بذلك منهم.

اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، اللهم وفق أبناءنا في اختباراتهم وامتحاناتهم، واجعلها عوناً على طاعتك يا رب العالمين، وجنبهم فيها المحرمات يا أرحم الراحمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.