للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف المسلم من أعياد الكفار]

السؤال

ما هو موقفنا من أعياد الكفار القادمة في احتفالات عام (٢٠٠٠)؟

الجواب

هذه المسألة سبق ذكرها في الدرس لكن نعيد الإجمال والتأكيد على بعض النقاط لأهميتها, فأقول: الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن هذه الأعياد القادمة وهي الاحتفالات الألفية قد يقدم فيها بعض الكفار على أعمال تتعلق بعقيدتهم في عام (٢٠٠٠) مثل اعتداءاتهم على مقدسات المسلمين، كالمسجد الأقصى وغيره, أو إقامة صروح كفر يعتقدون إقامتها في هذا الوقت, أو انتظار غائب يعتقدون أنه يأتي وينزل في هذا الوقت, والعلمانيون منهم -إن صح التعبير- لا يريدون أن تحدث مفاجآت وينقلب السحر على الساحر كما يقولون، وتحدث مواجهات بين المسلمين والكفار ليست محسوبة النتائج، فلا يريدون عمل مواجهة بالقوة؛ لكنهم يريدون إغراقنا بمعتقداتهم وأعيادهم, وإشراكنا في احتفالاتهم رغماً عنا, حين يغرقون المناطق في العالم بما ينقلون في فضائياتهم في العالم بشعائر احتفالاتهم وطقوسهم، وتلك المظاهر من البهجة والسرور التي يظهرونها، بالإضافة إلى الفحش والمنكرات، والرقص والحفلات الغنائية، والفرق العالمية والموسيقية، وعروض الليزر والأنوار الكثيرة، والألعاب النارية ونحو ذلك من هذه الأشياء.

لكن البعض منهم يمكن أن يعملوا أعمالاً فيها استعمال للقوة أو انتحار جماعي لبعض فرقهم الدينية، بناءً على أسس يعتقدونها إذا ما جاء المسيح أو ما حصل ما ينتظرونه، أو أن يعملوا انتحاراً جماعياً, لكن الغالب أن هذا العيد سيمضي عندهم بقضية مجون وخلاعة، وكفر وشرك، وإظهار المعتقدات الباطلة، والكنسية، والطقوس، والوثنية وغيرها, ونحن ينبغي أن نستعد لأي مفاجأة لكن اتجاههم العام الآن يشعر بهذا، إغراق العالم بأجواء الاحتفالات.

وأكثر منه إحداث مواجهة عسكرية مع المسلمين مثلاً، لأنه ربما لم يأت الوقت المناسب بزعمهم لذلك, لكن الله غالب على أمره ولا يعلم الغيب إلا الله، والله عز وجل يفعل ما يشاء، يمكن يحدث أي شيء، ولذلك فالمسلم يجب أن يكون مستعداً نفسياً بجميع أنواع الاستعداد, وعلى رأس ذلك التسلح بالإيمان والتوحيد، منافاة للشرك والكفر ومعادة أهله، والابتعاد عن التشبه بهم, فما هو موقفنا من أعيادهم القادمة في الاحتفالات الألفية؟ أولاً: اجتناب حضورها, لما جاء من الأدلة الكثيرة المانعة من ذلك وفي دين الإسلام، وما جاء فيه من الأدلة وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه: [لا تتعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهذا عمر نهى عن تعلم لسانهم، وعن مجرد دخول الكنيسة عليهم يوم عيدهم، فكيف بفعل بعض أفعالهم أو فعل ما هو من مقتضيات دينهم! أليس موافقتهم في العمل أعظم من الموافقة في اللغة؟! أو ليس عمل بعض أعمال عيدهم أعظم من مجرد الدخول عليهم في عيدهم! وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم فمن يشاركهم في ذلك العمل أو بعضه أليس قد تعرض لعقوبة ذلك، واستجلب سخط الجبار عليه؟ وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: [من بنى في بلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة] والشاهد عند قوله: [حشر معهم] وعلق عليه ابن تيمية فقال: وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار وإن كان الأول ظاهر لفظه.

وإذا قلنا لا نحضر، فإن ذلك يقتضي أيضاً ألا نشاهد، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:٧٢] قال المفسرون: أعياد الكفار لا نحضرها ولا نشاهدها لا بأشخاصنا، ولا بالصوت والصورة المنقولة، وهذا الذي قلناه قبل قليل وأحذرك أن تترك نساءك وأطفالك يرون الاحتفالات المنقولة فضائياً؛ لأن هذا فيه إدخال الفرح على نفوس الأطفال بمناسبة الكفر, والأعياد الشركية والانجذاب والتعلق بذلك, ولذلك أولادك يمكن أن يعجبوا بالكفار واحتفالاتهم وأعيادهم، بل يطلبون منك أن تأتي لهم بشجرة عيد ميلاد, أو تأتي لهم بحلويات خاصة مما يفعلونه, أو بابا نويل! ما يأتي به بابا نويل، هذا كله يمكن أن يحدث نتيجة المشاهدة, وتركهم يشاهدون ذلك عبر القنوات، وهذه القضية يجب الاهتمام بها أشد الاهتمام.

ثم إننا نجتنب موافقتهم في أفعالهم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام ولا لباس، ولا اغتسال ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة.

لا نأخذ إجازة ولا نعطل الأعمال، ولا نغلق الدكاكين ولا المحلات، ولا الشركات ولا المؤسسات، لا في المعيشة ولا في العبادة ولا يحل فعل وليمة، ولا الإهداء ولا بيع ما يستعان به على ذلك, لا تبيع لهم الديك الرومي بمناسبة أعيادهم، ولا شجرة ميلاد، ولا زينات وأضواء وأنوار من النوع الذي يستخدمونه، وكذلك لا تبيعهم حلويات من النوع الذي يستعملونه، وهو شيء مثل العكاز وشيء مثل غيره من الأشياء المعروفة لديهم.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولا بيع ما يستعان به على ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم -صبيان المسلمين- من اللعب الذي في الأعياد، ولا إظهار زينة، وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام.

قال الذهبي رحمه الله: فإذا كان للنصارى عيد، ولليهود عيد، كانوا مختصين به، فلا يشركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم.

وقد ذكر ابن التركماني الحنفي رحمه الله: النكيرة والتحذير ممَّن يوسع النفقة على عياله في أعياد النصارى، وأن من لم يتب فهو كافر مثلهم فيما نقل عن بعض علماء الحنفية.

وقال بعض أصحاب مالك: من كسر يوم النيروز بطيخة فكأنما ذبح خنزيراً.

فإذا كان عندهم يوم النيروز يأكلون فاكهة معينة فجاء مسلم وفعل مثلهم بقصد التشبه، فكأنما ذبح خنزيراً.

بل قال مالك: "يكره الركوب معهم في السفن التي يركبونها لأجل أعيادهم؛ لنزول السخط واللعن عليهم, فالله يسخط ويغضب وينزل اللعنة على هؤلاء الذي جعلوا له ولداً وزوجة، وجعلوه ثالث ثلاثة, والله عز وجل لا يرضى الكفر" وسئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم فكره ذلك؛ مخافة نزول السخط عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه.

وكذلك فإننا لا نهدي لهم ولا نعينهم على عيدهم ببيع أو شراء كما تقدم، حتى قال أبو حفص الحنفي: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى.

ومعلوم أن هؤلاء الكفرة المشركين من النصارى من ضمن ما يفعلونه من طقوسهم صبغ البيض (الملون) , فالذي يبيعهم بيضاً ليصبغونه فهو مشارك لهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي للنصارى شيئاً في عيدهم مكافأة لهم، ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على مصلحة كفرهم، ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئاً من مصلحة عيدهم، لا لحماًَ ولا إداماً ولا ثوباً، ولا يعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم, لأن ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم، وينبغي نهي المسلمين عن ذلك.

وابن التركماني قال: فيأثم المسلم بمجالسته لهم وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم.

لو قال لك نصراني: أوصلني إلى مكان الاحتفال فلا يجوز لك ذلك, أو يقول: أعرني سيارتك أحضر حفلة عيد الميلاد، فلا يجوز لك أن تعيره سيارتك, ومع بالغ الأسف فإن كثيراً من المسلمين من الباعة يتساهلون في هذه القضية، ويبيعون على الكفار هدايا من الأعياد من الزهور والعطور حتى بطاقات التهنئة، كالكرسميس يبيعونها عليهم، وبعض ألبستهم التي تفعل في أعيادهم، وشجرة عيد النصارى, وهدايا بابا نويل , وحلويات على شكل صليب أو على شكل عكاز كما يفعلونه، وبعض المتاجرين يرون أنه من باب استغلال أرباح الموسم، والنصارى الآن يشترون, بع واربح وإنما يأكلون في بطونهم ناراً، وسيصلون سعيراً, وهذا من إعانتهم على عيدهم، وإسهام لإظهار شعائرهم وإشهارها.

ثم إنه يجب ألا نعين أي مسلم يتشبه في عيدهم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: وكما لا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك, بل يُنهى عن ذلك, فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته.

لو أن مسلماً قال: ليلة رأس السنة عندي حفلة, فلا يجوز لك حضورها ولا إتيانها، ويجب أن تنهاه عنها, قال: من صنع دعوة مخالفة للعادة.

لماذا طول العام لم يصنع الاحتفال فلما كان على ليلة (٢٠٠٠م) فعل هذه الحفلة؟ لماذا خصها في هذا اليوم ولو كان مسلماً؟ قال: ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعيادة مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته.

جاء إليك شخص بمناسبة عام (٢٠٠٠) وقال: هذه هدية فهو يقصد هذا التاريخ وهذا العيد, فلا تقبل هديته وترد عليه وتقول له: لا أقبل، هديتك مردودة عليك, لأنك أهديتني بمناسبة أعياد الكفار, اتق الله.

أيها الإخوة: المشكلة أن هؤلاء القوم سيحاولون التنسيق ما بين أعيادنا وأعيادهم، ويقولون: نضع خيمة رمضانية إلى جانب الكنيسة، أنتم تسهرون في ليلة في رمضان ونحن في أعياد, ونحن نهنئكم على رمضان، وأنتم تهنئوننا على الأعياد ونحن ممكن أن نحضر معكم الإفطار, ونأتي على مائدة رمضان، أنتم تحضرون معنا عشاء عيد الميلاد: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:٩].

فلا تطع هؤلاء الكفرة فيفتنوك عما أنزل على نبيك صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام: لم يتقبل هديته خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم، ولا يب