للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الصبر]

(الصبر): هو الخلق الذي يحتاجه الداعية حتى تنفتح له مغاليق القلوب؛ الصبر على التبليغ، والصبر على الجدال الذي سيواجهه، والرفض والعناد، الصبر على الأذى الذي قد يلحق به.

النبي صلى الله عليه وسلم صبر على الخنق، خنقوه بثوب، وصبر على إلقاء سلى الجزور فوق ظهره وهو ساجدٌ عند الكعبة، وعلى وضع الشوك في طريقه، وضرب قدميه بالحجر، وعلى الاتهامات الباطلة التي اتهموه بها، وقالوا عنه: ساحر، وكاهن، وشاعر، ومجنون، وبه جِنَّة -مسه الجن- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

قال بعض الشراح: إنه يعني نفسه صلى الله عليه وسلم، هو الذي ضربه قومه فأدموه.

فإذاً الداعية لا ينجح إلا بالصبر، إنه سيواجه جحوداً وإعراضاً؛ هذا لا يفتح له الباب، وهذا لا يجيب بالهاتف، وهذا يغير الموضوع إذا أراد أن يعظه، وهذا يتهرب، والمدعو شخصٌ غير ملتزمٍ بالدين في الغالب، فلذلك هو يكذب ويخلف المواعيد، والداعية ينتظر حتى يضجر ولم يأت صاحبه بعد، ويعاود المجيء بدون فائدة، وقد يجد ألفاظاً غير مقبولة.

الداعية سيواجه من المدعو بطئاً في الاستجابة، وجدلاً عظيماً، والله يقول: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:١٠].

ولا شك أن التحلي بالصبر في هذه المواقف من أعظم الأشياء التي تسبب النجاح للداعية، أما الذي يجرب الدعوة فيكلم شخصاً فمن أول ما يجابهه بكلمة أذى يترك، هذا لا يكون له النجاح، النجاح لا يكون إلا بعد المواظبة، والمصابرة على هذه النفوس الملتوية.