للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تاريخه المشهور بتاريخ الطبري]

أما بالنسبة للتاريخ فقد ذكرنا أشهر كتبه هو تاريخ الأمم والملوك، وهذا الكتاب عندما أراد ابن جرير رحمه الله تعالى أن يؤلفه كان شيئاً أعجب من العجب، قال لتلاميذه: تنشطون لتاريخ العالم -نكتب جميعاً- من آدم إلى وقتنا هذا تاريخ العالم، فقالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ما ذكره في التفسير، أي: يحتاج إلى ثلاثين ألف ورقة، فأجابوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه، فقال الطبري: إنا لله وإنا إليه راجعون! ماتت الهمم.

فاختصره في نحوٍ مما اختصر به التفسير، أي: في ثلاثة آلاف ورقة، فـ تفسير الطبري الآن عشرين مجلداً وهو عُشُر الكتاب الأصلي الذي كان يتمنى أن يكتبه، وتاريخ الطبري الذي عندنا هو عشر الكتاب الأصلي الذي كان يتمنى أن يكتبه، يقول: إنا لله! ماتت الهمم، أي: كانت همته أن يكتب التاريخ في ثلاثين ألف ورقة، ويكتب التفسير في ثلاثين ألف ورقة.

بالنسبة لـ تاريخ الطبري رحمه الله فإنه تضمن الحديث عن الزمان في ضوء العقيدة الإسلامية، والأقوال في قدر جميع الزمان، وأن الله تعالى خلق الزمان والليل والنهار، وهو القادر على فنائه، ولا يبقى إلا الله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن.

وتحدث الطبري رحمه الله عن ابتداء الخلق، وأن أول ما خلق الله القلم، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام، وخلق إبليس وأخباره، ثم القسم الأول تاريخ العالم قبل الإسلام بدأه بخلق آدم ونزوله من الجنة، وقصته مع إبليس، وهبوطه إلى الأرض، والروايات الواردة في ذلك، والأحداث التي وقعت في زمن آدم، وقتل قابيل هابيل، والروايات الواردة، وموت آدم، وسنه حين مات، ثم أولاد آدم إلى نوح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وأيوب وشعيب ويوسف وإلياس وموسى وداود وسليمان وصالح ويونس وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وعرض لأخبار أممهم من خلال تاريخ أنبيائهم، وأرخ بصفة خاصة لبعض الأمم، مثل: ملوك الفرس -العهد الساساني- وعلاقتهم بالعرب والروم، وملوكهم في عهد النصرانية إلى الإسلام، واليهود وأنبيائهم وقصصهم وتاريخهم وملوكهم ودولهم، وأخيراً العرب، وتحدث عن عاد وإهلاكهم، وثمود وعتوهم، وجرهم وهم أصهار إسماعيل عليه السلام، وأخبار العرب بالجاهلية، وملوك اليمن وعلاقتهم بـ الحبشة ثم بالفرس، وأشهر حكماء العرب، وأجداد النبي عليه الصلاة والسلام الذين يرجع إليهم نسبه الشريف من عدنان إلى عبد المطلب، وطائفة من أخبار النبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، وحال قريش ومكة، ثم بعد ذلك بدأ في نسب النبي عليه الصلاة والسلام وأخباره وأخبار آبائه وأجداده وأنسابه وأزواجه يعني: السيرة النبوية.

هذا قسم ضخم من الكتاب، ثم تاريخ العالم بعد الإسلام ابتداءً من نزول الوحي العهد النبوي، البعثة النبوية، السيرة، العهد الراشدي، العهد الأموي، العهد العباسي، وطبعاً الطبري رحمه الله مات في خلافة بني العباس.

وكان له مصادر في تاريخه، لكن هنا ملاحظة مهمة: وهي أن الطبري رحمه الله ينقل روايات في التاريخ فيها أحياناً كذابين أو متهمين بالرفض، كذلك بعض الأخبار التي في بعض الروايات التي في تفسيره إسرائيليات أو أخبار ساقطة، وهو ألفه على مذهب: (من أسند فقد حمل) أي: أنا أتيت لك بالإسناد وحملتك التبعة، وأنت فتش وأنت أنا جمعت لك ورتبت وصنفت وهيأت، وأنت يا أيها الباحث بعد ذلك انتق وفتش، فلا يقال: لماذا وضع إسناداً فيه رجلاً وضاعاً؟ لماذا وضع إسناداً فيه رافضياً؟ لماذا وضع إسناداً فيه كذا؟ يقال: لأن الطبري رحمه الله من طريقته الجمع، لكنه جيد للغاية في التصنيف والترتيب.