للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسماء بنت عميس تستخرج شهادة بالهجرتين]

قال: [فوافقنا النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر مباشرة] وغنائم خيبر كانت فتحاً عظيماً للمسلمين وفكت ضائقة اقتصادية شديدة كانت نازلة بالمسلمين، ومعروف أن الغنائم توزع على من قاتل في المعركة، لكن نظراً للدور العظيم الذي قام به جعفر بن أبي طالب في الحفاظ على هذه المجموعة الإسلامية في الحبشة، وقيامهم بالدعوة هناك، وحكمتهم في دعوة النجاشي، وما حصل من وجود قاعدة إسلامية خلفية احتياطية، رديفة للقاعدة التي كانت موجودة في مكة، بحيث لو ضرب المسلمون في مكة فلا تزال مجموعة في الحبشة باقية، فنظراً لهذا الدور العظيم أشرك النبي هؤلاء المهاجرين في غنائم خيبر؛ مع أنهم ما شهدوا فتح خيبر، ولذلك جاء في رواية في البخاري: [فأسهم لنا ولم يسهم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر منها شيئاً إلا لمن شهدها معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، فإنه قسم لهم معهم].

وكان أناس في المدينة يتباهون أنهم الذين هاجروا مع النبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم حازوا قصب السبق، وأنهم أفضل، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالذي حصل أن أسماء بنت عميس، وهي زوجة جعفر، دخلت على حفصة بنت عمر، وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دخل عمر على بنته يزورها، فوجد أسماء، قال عمر: من هذه المرأة التي عندك؟ فقالت: هذه فلانة، قال: ألحبشية هذه، أو ألبحرية هذه؟ أو البحيرية بالتصغير أما الحبشية، فنسبة لأنها كانت ساكنة في الحبشة، وأما البحرية لركوبها البحر، ثم ذكر عمر أنهم أولى بالنبي عليه الصلاة والسلام، وأنهم سبقوا بالهجرة، فقالت أسماء بنت عميس: كلا والله وأنتم كنتم عند النبي عليه الصلاة والسلام ينفق عليكم ويعلمكم، ونحن كنا صابرين على اللأواء والشدة في دار البعداء البغضاء، جمع بعيد بغيض: البعداء والبغضاء، لأن ذلك كان بلد نصارى، وإذا كان النجاشي أسلم، ومعه قلة قليلة جداً، فالبقية على دين النصارى، لم يسلم قوم النجاشي، لكنه أسلم رحمه الله، وبقي ملكاً عليهم مطاعاً فيهم، وحصل انشقاق ومعركة، وانتصر النجاشي ومن معه على الجناح المنشق الذي خرج عليه في قصة حضرها الصحابة من بعد، وأرسلوا من يأتي بالخبر سباحة ورجع إليهم، وبالتأكيد أنهم كانوا يدعون الله للنجاشي أن ينتصر، وأن دعوات الصحابة واكبت النجاشي في نصره على من خرج عليه.

فقالت: -ولعمري لقد صدقت- كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعلم جاهلكم، وكنا البعداء والفرداء، قالت بهذه الرواية: نحن كنا هناك صابرين وذلك في الله وفي رسول الله.

وايم الله: وايم اختصار لأيمن الله من اليمين، حلفت أن تخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما قال عمر، وأخبرت النبي عليه الصلاة والسلام بعدما جاء، فأخبرها أنه ليس عمر أولى بي منكم، وأخبرها أن للذين هاجروا من مكة إلى المدينة هجرة واحدة، بينما لهؤلاء هجرتان؛ هجرة إلى النجاشي وهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وبإسناد صحيح للشعبي، قال: قالت أسماء بنت عميس: (يا رسول الله! إن رجالاً يفخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأولين).

لأن الله مدح المهاجرين الأولين، فقال عمر: (نحن المهاجرون الأولون أي: وأنتم رتبة ثانية، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أنتم لكم هجرتان) أي: هاجرتم إلى أرض الحبشة ثم هاجرتم بعد ذلك إلى المدينة.

وفي رواية قال: (للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان) قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك والصحابة أحرص شيء على الأجر، وهذا شرف عظيم جداً؛ فحصل هناك بين هؤلاء المهاجرين انتعاش وفخر، وفرح وسرور بالغ لا يوصف، حتى أن أهل السفينة جاءوا أفواجاً وأرسالاً، سمعوا أن أسماء بنت عميس أخذت تزكية من النبي عليه الصلاة والسلام أن لهم هجرتين، فجاءوا يسألون أسماء فوجاً بعد فوج؛ لأنهم كانوا يحتسبون الأجر، يريدون أن يسمعوا هذه الكلمة.

حتى أبو موسى وهو من كبار رواة الحديث، يأتي بنفسه لـ أسماء بنت عميس يقول: أسمعيني أسمعيني، يطلب منها أن تعيد له الحديث مرة أخرى فرحاً به.