للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الصراط]

قال في الحديث في وصف الصراط: (وبه كلاليب، وفي رواية: وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به) والكلاليب جمع كلوب، والكلوب هو الخطاف الذي يخطف الناس، وهذا الخطاف عظيم جداً للغاية، تقف الأمانة والرحم على جنبتي الصراط لعظم شأنهما وفخامة أمرهما؛ لكي يؤدب ويعاقب الخائن وينجو الأمين، ويعاقب القاطع وينجو الواصل لرحمه الأمانة والرحم يشهدان للمحق ويشهدان على المبطل {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب:٧٢] (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) [النساء:١]، فلما كانتا بهذه العظمة جعلتا على جنبتي الصراط.

قال صلى الله عليه وسلم في وصف الكلاب والخطاف الذي يخطف الناس: (مثل شوك السعدان) السعدان: جمع سعدانة، والسعدانة نبات ذو شوك يضرب به المثل في طيب مرعاه، يقال: مرعى ولا كالسعدان (أما رأيتم شوك السعدان؟) شبه صورة الكلاليب بشوك السعدان، لكن عن عظم حجمها قال: (غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله) فهذه الكلاليب مثل الشوك تخطف الناس، قال: (فتخطف الناس بأعمالهم) فشبه الكلاليب بشوك السعدان لسرعة اختطافها وكثرة الانتشال فيها، عرفوها في الدنيا وألفوها مباشرة فعرض عليهم التشبيه بها، قال: (وبحافتيه -أي: الصراط- ملائكة معهم كلاليب من نار، يختطفون بها الناس).

وفي رواية أبي سعيد: (قلنا: وما الجسر؟ قال: مدحضة مزلة) أي: تزل فيه الأقدام، وفي رواية قال أبو سعيد: (بلغني أن الصراط أَحَدُّ من السيف، وأدق من الشعرة) رواه مسلم، وهذا له حكم الرفع؛ لأنه لا يقوله برأيه، لابد أن يكون الصحابي قد سمعه (أَحَدُّ من السيف، وأدق من الشعرة)، فمن الذي سينجو من عليه؟ قال الفضيل بن عياض رحمه الله: [[بلغنا أن الصراط أدق من الشعرة، وأحد من السيف على متن جهنم، لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله].

قال صلى الله عليه وسلم في أصناف الناس على الصراط: (منهم الموبق بعمله)، وفي رواية: (الموثق بعمله، ومنهم المخردل)، الخردل من صفته أنه مقطع، فهذا المخردل تقطعه كلاليب النار؛ فيهوي فيها، وخراديل، أي: قطع تقطعهم، ويحتمل أن يكون المعنى: تقطعهم عن اللحوم لمن نجا ثم ينجو.

إذاً: هؤلاء الذين يعبرون الصراط ثلاثة أنواع جاء في حديث أبي سعيد: (فناجيٍ مسلََّم، ومخدوش، ومكدوس في جهنم، حتى يمر أحدهم فيسحب سحباً).

إذاً: المارون على الصراط ثلاثة أصناف: ١/ ناجٍ بلا خدوش، مسلَّم لم يصبه شيء.

٢/ مخدوش ثم ينجو، فهو في النهاية يعبر لكن بعد خدوش تصيبه من هذه الكلاليب.

٣/ وهناك هالك من أول وهلة.

فإذاً: هناك هالك من أول وهلة، مكردس، هذا يقع في النار، وهناك ناجٍ يعبر بعد أن يصيبه ما يصيبه، وهناك من ينجو بلا خدوش والمكردس أو المكدوس المنكفئ في قعر جهنم؛ نظراً لأن سيئاته كثيرة، فلابد من تطهير النار حتى يدخل الجنة طاهراً؛ لذلك يقع في النار، وكذلك الذي يصيبه على الصراط ما يصيبه؛ لكي يطهره ما أصابه من الآثام التي اقترفها ثم ينجو، وبعد ذلك يدخل الجنة نظيفاً، فلا يدخل الجنة شخص غير نظيف، لابد أن يطهر بما يصاب به، إن كان في الدنيا فبالمصائب والهم والغم والأمراض والخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وإن كان في القبر فبفتنة القبر وما يصيبه، وإن كان في الآخرة فبدنو الشمس والعرق والحر والزحام وطول الموقف، وإن كان بقي عليه شيء فإنه إذا عبر الصراط يخدش بهذه الكلاليب، ما دام أن سيئاته أكثر من حسناته، حتى إذا كان ذلك كافياً عبر، وإذا لم يكن كافياً كفى به في النار.

وهنا نقف في شرح هذا الحديث؛ لنتحدث -إن شاء الله- بعد ذلك عن الشفاعة، وآخر من يخرج من النار متجهاً إلى الجنة، له قصة أخرى سنتحدث عنها -إن شاء الله- وصلى الله وسلم على نبينا محمد.