للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فخسفنا به وبداره الأرض)]

قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:٨١].

هذا الذي تمنوا مكانه، وقالوا إنه ذو حظ عظيم، وتمنوا أن يكون لهم من الزينة والكنوز والأموال، وإذا به وهو في زينته، وهو يطأ الأرض يتيه في خيلاء، وتعاظم وتعالى على خلق الله، وإذا بالله الكريم يخسف به الأرض، فتغيب به الأرض وتزول من تحت قدميه، وإذا به يهبط إلى أن يصبح داخلها، وكأنه لم يكن يوماً في هذه الدنيا.

فالله تعالى أخسف به الأرض، فانشقت، وأصبحت ذا هوة سحيقة وإذا به يدهده ويغيب فيها ثم تغيب داره، وكنوزه وأمواله وزينته وكل ما كان عنده.

فهذا الذي تعاظم على الله وعلا على خلق الله، وطغى بما ملكه الله من زينة وأموال وجاه، فعوضاً عن أن يشكر الله عليها، ويأتيه مما آتاه الله، ويحسن كما أحسن الله إليه، طغى وبغى في الأرض، فكان جزاؤه أن عذبه الله على ذلك في الدنيا، وسلبه تلك النعمة، بل وغيبه في الأرض ودفنه فيها حياً، هو وداره وجميع ما فيها من كنوز وزينة ونشب وأموال، وإذا بتلك الطائفتين: الطائفة التي كانت تريد الدنيا، وتريد مثل ما أوتي قارون، وغاروا منه، واغتبطوا بحاله، بل وحسدوه على أمواله.

وأولئك الذين قالوا لهم: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص:٨٠]، وإذا بالطائفتين معاً تريان هذا المنظر، وأن قارون الذي كان قبل ساعات مضت ذا حول وطول وسلطان وعلو وطغيان في الأرض، وإذا بالأرض تخسف به، وإذا به يغيب في الأرض والتراب، فيذهب في أمس الدابر، ويذهب قصره وتذهب كنوزه، وكأنه لم يكن يوماً من الأيام متعالياً بكنوزه وجاهه.

وعندما خسف الله به الأرض لم تكن له جماعة، ولا أنصار، من أولئك الذين يصحبونه في الذهاب والإياب، فيكثرون جموعه، ويتقدمونه ويتأخرون عنه، ويكونون عن اليمين وعن الشمال، فكل أولئك لم يستطيعوا نصرته، ولا إغاثته، ولا إنقاذه من هذا الخسف، وهذا التغييب في الأرض، وهذا البوار وهذه اللعنة.

ولم يجد أحداً ينصره من دون الله، إذ كان مخذولاً هافتاً ضائعاً، ومن الذي يجير على الله؟ ومن الذي يتطاول على أن يغيث أحداً من غضب الله ولعنته؟ إن كل من في الأرض والسماء ومن في الكون إلا آتي الله عبداً، فليس في قدرة أحد أن ينصر من غضب الله عليه.

وقوله: {وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:٨١].

أي: لم يكن من الذين انتصروا، وأنقذوا، وتعالوا، وقد حلّ عليه قول الله وغضبه ولعنته، وإذا بالطائفتين: الدنيوية والأخروية اللتين رأتا أعماله وزينته، فتمنى ذلك البعض ممن يريد الدنيا، وقالت الأخرى العارفة بالله: إن الإيمان بالله وطاعته خير من قارون وجميع أمواله.