للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وما أنتم بمعجزين في الأرض)]

قال الله تعالى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [العنكبوت:٢٢].

لا نزال مع إبراهيم خليل الله وأبي الأنبياء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو يزيف الأوثان والأصنام وعبادتها، ويدعو إلى توحيد الله وعبادته وحده، ثم ينذر ويهدد هؤلاء الكفرة بأنهم مهما كانوا من القوة والسلطان والجبروت والطغيان فلن يستطيعوا بحال من الأحوال أن يفروا أو يفلتوا من عذاب الله، حتى ولو صعدوا إلى السماء، ولم يكن إذ ذاك عند نزول هذه الآيات الكريمات طيران ولا تحليق ولا صواريخ ولا ما قد عاصرناه وأدركناه، وقد قيل: إن هذه الآية معترضة في محاورة إبراهيم لقومه، فهي من كلام الله سبحانه وتعالى الموجه لهم، وقيل: هي من قوله لهم.

قوله: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [العنكبوت:٢٢] أي: يا هؤلاء الذين أشركوا بالله وخرجوا عن أمر الله لستم بحال من الأحوال بمعجزين، بل أنتم أقل وأحقر من أن تعجزوا الله، أو أن تفوتوا عن أمر الله، أو أن تفلتوا من عقوبته ونقمته وعذابه، سواء كنتم في الأرض أو استطعتم التحليق في أجواء السماء.

وكل ما علا فهو سماء، وأما السماء التي بيننا وبينها خمسمائة عام فهي مساكن الملائكة، وأما السماء في الآية فهي ما علا الإنسان.

والأفلاك فيها من الحيوان وفيها من الخلق، وفيها من الدواب التي تدب عليها، وكل ما يدب على الأرض سواء كان داباً على رجلين أو على أربع أو على بطنه فهو خلق من خلق الله.

وقد قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ} [الشورى:٢٩]، فقد بث ونشر في الأفلاك العليا وفي الأفلاك السفلى خلقاً من خلقه تدب على أرضه على رجلين أو أربع، أو تزحف على البطون.

فهؤلاء المشركون حيث كانوا من أفلاك الأرض أو أفلاك السماء لن يعجزوا الله طلباً، ولن يعجزوه إن شاء عقوبتهم والنقمة منهم؛ نتيجة كفرهم وعصيانهم.

قوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [العنكبوت:٢٢].

أي: وليس لكم من يتولى عنكم ظلمكم، أو يقف دون الله وعقابه لكم، إذ الكل خلقه، والكل تحت أمره وقهره، ولن يجرؤ أحد على معصيته فضلاً عن عداوته، ولا شريك له مما تزعمون وتفترون وتأفكون.

قوله: (من ولي)، أي: من معين ومساعد ومؤازر.

(ولا نصير): ينصركم على ظلمكم، ومن باب أولى ينصركم على الله، فلن يكون ذلك ولن يوجد وإنما هي خزعبلات نطقت بها ألسنتكم فسميتم الأوثان والأصنام آلهة، وذلك من إفككم ومن اختراعكم، ومن كذبكم على أنفسكم وعلى الحق.