للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعض)

قال تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:٩٩].

يخرجون من السد بعد أن يهدم وينتهي ويفنى فلا بناء قائم، ولا خلق من خلق الله باق، سينتهي ويبقى الله الواحد القهار، كل شيء هالك إلا وجهه جل جلاله وعز مقامه.

وهذان الشعبان الظالمان المخربان المفسدان يموج بعضهم في بعض مع بقية سكان الأرض من شعوب وأمم كأمواج البحار الهائجة، يختلط حابلهم بنابلهم، كبيرهم بصغيرهم، رجالهم بنسائهم، ضالهم بتقيهم، ويا ما أقل التقي في ذلك الوقت والزمان! وقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف:٩٩] ليس بعد النفخ في الصور إلا قيام الساعة، وهذا يؤكد أن ما بعد خروج يأجوج ومأجوج إلا النفخ بالصور ومن بعده قيام الساعة، والمكلف بالصور إسرافيل من الملائكة، والصور عبارة عن بوق لا يعلم عظمته إلا الله.

وحديثه متواتر مستفيض بالنطق النبوي الكريم، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنا بجبهته ينتظر الإذن).

ويوم تقوم القيامة لم تبق حياة قط لأي حي كان، بل حتى الأراضي والسموات والجبال والبحار فإنها تتردى وتنهدم وتصبح الأرض كالعهن المنفوش وتتشقق السموات وتنتهي البحار وينتهي الكون بعد أن يتم النفخ في الصور، ومعنى هذا بصريح القول: أن يأجوج ومأجوج سيكونون آخر من على وجه الأرض من الأحياء، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق)، وحديث: (لا تقوم الساعة على رجل يقول: لا إله إلا الله) ويكون الناس قد عاشوا عيشة دواب وبهائم لا يعلمون رباً من مربوب ولا خالقاً من مخلوق وينكح بعضهم بعضاً في الطرق والشوارع مثل الكلاب والقردة والخنازير.

ويوم ينفخ في الصور يقومون لرب العالمين حفاة عراة غرلاً غير مختونين، تعود تلك الجلدة من الختان إلى مكانها، يأتون صفاً صفاً أمام ربهم ينتظرون الحساب إما إلى جنة وإما إلى نار، واليوم إذ ذاك كألف سنة مما نعد في أرضنا، قال تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:٤٧]، ويكون يوماً شديداً وعظيماً، فيشتد فيه البلاء والمحنة، وهو اليوم الذي يعطى فيه نبينا عليه الصلاة والسلام المقام المحمود والشفاعة العظمى.

وقوله: {فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف:٩٩] يجمع الله الخلائق كلها منذ خلق آدم إلى آخر إنسان في الأرض، ويعرضون على الله لا تخفى منهم خافية، وينفذهم البصر فلا جبل يسترهم، ولا شجرة، ولا غيرهما، ويأمرهم الله فيستجيبون، وبعد الشدة والبلاء يعطون كتابهم هذا بيمينه وهذا بيساره، ووضع الكتاب باليمين علامة الرضا، ووضعه باليسار علامة الغضب.