للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لله الأمر من قبل ومن بعد)]

{لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:٤].

الأمر لله من قبل نصر الروم وبعد نصرها، ومن قبل نصر فارس وبعد ذلها، فالأمر كله بيد الله، فبه انتصروا وبأمره ذلوا، والله الكريم المتعال الكل منه وإليه، فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

إن العزة لله جميعاً، فما من شيء يحدث في الكون إلا وهو بأمر الله، وبإرادة الله، وإن كان عزاً فقد يكون ابتلاءً واختباراً، وقد يكون مكافأة، وقد يكون ثواباً، وقد يكون رفعة كانتصارات المسلمين في جميع عهودهم وأعصارهم.

وقد يكون النصر ابتلاءً واختباراً كانتصار الكفار على المسلمين، فليس ذلك إلا اختباراً وابتلاءً وفتنة، ليزدادوا إثماً على إثم، وتبقى الحجة البالغة لله، وليمحَّص المسلمون ويعودوا إلى الله في أعمالهم، ويعلموا أن ما حدث لم يكن إلا بإذن الله، ولعلة المخالفة، وعلة المعصية، فكان ذلك أدباً من الله لهم، كي لا يعودوا لمثل ذلك الذنب.

قال تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ} [الروم:٤] حين انتصر الفرس، ومن بعد هزيمتهم وذلهم، ومن قبل هزيمة الروم، ومن بعد نصرهم، فالأمر لله دواماً واستمراراً قبل خلق الخلق وبعد خلق الخلق، وما بين ذلك لم يكن في ملكه إلا ما يريد جل جلاله وعلا مقامه.