للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله)]

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].

أي: اذكر يا محمد وتذكر لقمان عندما أخذ يعظ ولده بالحكمة ويعلمه إياها، وكان أول ما قال له: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].

فأول حكمة علمها لولده بألا يجعل مع الله شريكاً ولا نداً، وإنما يعبد الله الواحد الذي لا ثاني له في ذات أو صفات أو فعال، وبأن يمحص الله الوحدانية وأنه الرب والإله الواحد الخالق الرازق، لا ثاني معه ولا مؤازر ولا شريك، تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً.

قال وهو يعظ ويعلم ويرشد ولده: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣]، أي: الشرك أعظم أنواع الظلم، ولا ظلم أكبر ولا أعظم منه؛ لأنك ظلمت الحق فأزلته عن مكانه وأعطيته باطلاً لما ليس له ولا يستحقه، ونزعت الألوهية برأيك الضال وأعطيتها مخلوقاً مرزوقاً، وأعطيتها من لا يضر نفسه ولا ينفعها، وأعطيتها لمن خلقه الله، ثم أنت ظلمت نفسك بابتعادك عن الحقائق، بأن جعلتها وصنفتها مع المشركين الكافرين، ومن صنع ذلك بنفسه فقد أهلكها وأوردها المهالك، وقد أخلدها مع المشركين والكافرين وابتعد عن عباد الله الصالحين.

ومن أجل ذلك كان الشرك ظلماً، بل كان أشد أنواع الظلم، والله تعالى عندما يقص علينا قصة لقمان الحكيم بمواعظه وحكمه لولده إنما يرشدنا لأن نتخذ من تلك المواعظ حكمة وعلماً وفهماً، وأن لقمان قد وصفه الله بالحكمة وآتاه الحكمة، وأن ما علمه ولده يجب أن يتعلمه كل الناس كباراً وصغاراً رجالاً ونساء، فحكمته هذه التي قصها الله علينا في كتابه ينبغي أن نتخذها حكمة لنا، ونتخذ لقمان في ذلك أستاذاً ومرجعاً في مثل هذه المحاسن من الأخلاق والإيمان بالله، والكفر بالمشركين ممن لا وجود لهم ولا حقيقة لهم ولا ثبات.

{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ} [لقمان:١٣] (يا بني) قرئت: (يا بنيي) وقرئت مسكنة (يا بنيْ) وكلها في القراءات السبع المتواترة، وكلها بمعنى واحد.

فهو ينادي ولده متحبباً مدللاً له بالتصغير: (يا بني)، وبني تصغير ابن، فقد يكون صغيراً، وهو صغير على أي اعتبار بالنسبة لوالده، وقد يكون شاباً كبيراً ولكنه يصغره تدليلاً له وتحبباً، لينقل عنه الحكمة ويعمل بما جاء فيها، والولد بدوره ينقلها لأولاده عندما يكونون، وهكذا تتسلسل الحكمة في سلالة لقمان ومن يسمعها فيتعظ بها.

وقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣] من الشرك بالله ما زعم اليهود والنصارى عندما قالت اليهود: عزير ابن الله، وعندما قالت النصارى: الله ثالث ثلاثة، فهؤلاء أشركوا بالله وجعلوه ثلاثة، وأولئك أشركوا بالله وجعلوه اثنين، تعالى الله عن شركهم علواً كبيراً.