للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب نزول قوله تعالى: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه)]

إن سبب نزول قوله تعالى: (وما جعل أدعياءكم أبناءكم) هو ما كان يفعله الناس قبل الإسلام، وفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حين تبنى زيد بن حارثة، وكان قد أسر في الجاهلية واشتراه حكيم بن حزام بن خويلد، ووهبه لعمته خديجة بنت خويلد، وخديجة بنت خويلد بعدما تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا بأبيه وعمه يبحثان عنه، فقيل لهما: إنه بمكة، فجاء إلى مكة فوجداه عند محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وهذا كان قبل النبوة وقبل الإسلام، فجاءا إليه وقالا له: يا بن عبد الله، يا بن عبد المطلب، تكرم علينا بولدنا، فقال لهما رسول الله: خيروه، فإن اختاركم فهو لكم، فقالا له: يا زيد، أتختار أبيك وحسبك ونسبك أو تختار الرق والعبودية؟ قال: لن أختار على محمد أحداً.

وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي هذا الحب من زيد، فقال لأبيه وعمه: اشهدا أنني أتبناه وألحقه بنسبي، فهو بعد اليوم زيد بن محمد، فقرت عين أبيه وعمه عندما رأيا أن زيداً ارتفع نسبه إلى نسب قريش، وأصبح ابناً لمحمد وحفيداً لبني هاشم وسبطاً لـ عبد المطلب.

وكان التبني عادة العرب من قوم محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم، ولكن عندما جاء الإسلام أبطل التبني، وجاء الوحي من الله ونزل قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب:٤].

فحرم الله التبني، وألغاه، وألغى نتائجه، وجعله قولاً من الزور، وعملاً من الباطل.

إذاً: التبني دعوى لا أصل لها، ولا يكون الرجل ولداً لأبوين في آن واحد، إما هو ابن صلبك ورحم زوجتك، وإما هو رجل بعيد لا صلة لك به.