للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نهاية كل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم]

إن كون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، أي: طبع فكان خاتمهم، لا نبي بعده، وإذا نفى الله النبوة فقد انتفت الرسالة؛ لأن كل رسول نبي وليس العكس.

والنبي من أوحي إليه بالشرع ولم يؤمر بتبليغه.

والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ، وهو لن يكون رسولاً حتى يكون نبياً، فإذا انتفت النبوة الخاتمة عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى ختمت الرسالة كذلك به، فلا نبي ولا رسول.

هذا مما أجمع عليه المسلمون ولم يتنازع فيه مسلمان، ومن خرج عنه كان كافراً مرتداً حلال الدم، فمن العقيدة الرئيسية التي يجب أن يؤمن بها كل مسلم وكل إنسان أراد الدخول في الإسلام أن محمداً رسول الله أن يشهد أنه خاتم الأنبياء والرسل، وكل من ادعى النبوة بعده أو الرسالة بعده فهو ضال مضل كاذب فاجر كافر حلال الدم.

وقد ادعى مسيلمة الكذاب النبوة في الحياة النبوية، وكذبه حاله وسيرته وأضاليله وأباطيله، ثم قضي عليه أيام خلافة أبي بكر، وادعى الأسود العنسي النبوة قبل الوفاة النبوية فقاتله أهل اليمن فهلك كافراً.

ومن المعجزات التي شهدناها بعد مرور ألف وأربعمائة عام على الإسلام أنه لم يدع النبوة أحد خلال هذه القرون الأربعة عشر، ومن ادعاها كذبته حاله، وأتى بسخيف من القول والعمل، وعلم الحاضر والغائب من أتى بعده بأنه ضال مضل، ومن ذلك منذ ثمانين سنة في بداية هذا القرن ادعى دجال هندي الذي سمى نفسه غلام أحمد أي: عبد أحمد، فكان عبد الشيطان وكان عبد الإنجليز وكان جاسوساً خبيثاً لعيناً، ادعى أولاً أنه مجدد، ثم ادعى بعد ذلك أنه نبي، ثم ادعى بعد ذلك الألوهية، ووضع لنفسه خزعبلات وكلاماً مضحكاً سخيفاً سماه قرآنه وكتابه، ومع ذلك وجد من الناس قلة آمنت به ولا تزال، ولم يوجد إمام حاكم في الهند يؤدبه وأتباعه، فيفصل جسده عن رأسه هو وكل من آمن به واعتقد نبوته.

وفعلت دولتنا هنا حسناً عندما منعت هؤلاء الأخباث القاديانيين بقرار من رابطة العالم الإسلامي كما يمنع الكفار من الدخول لمكة والمدينة، وكانوا قبل يأتون ويزعمون الإسلام ويحجون، وهم ليس لهم دين ولا حج ولا صلاة، وإنما هم كفرة ودجالون ضالون.

وفي هذه القرون الأربعة عشر كل من ادعى فيها النبوة وهم قلة معدودة على الأصابع كشفوا وافتضحوا في حياتهم؛ لأنهم كذبة فجرة، فكان عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم والرسول الخاتم، وهذا مما علم من الدين بالضرورة، وكل من اعتقد خلاف ذلك يعتبر كافراً مرتداً حلال الدم، هذا نص القرآن ونص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تجاوزت حد التواتر عن جماهير من الأصحاب رضوان الله عليهم، وكمل ذلك وأتمه إجماع المسلمين بجميع فرقهم على ذلك، من عهد الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين إلى يومنا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

فعن أنس بن مالك، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة الدوسي وعن جماهير من الصحابة قالوا: قال عليه الصلاة والسلام: (إنما مثلي ومثل الأنبياء قبلي كقصور بنيت فأتم بانوها بناءها وأحسنوا وأتقنوا، إلا موضع لبنة، فدخل الناس ينظرون في هذه القصور، فقالوا: ما أجملها وما أتقنها إلا مكان هذه اللبنة، قال عليه الصلاة والسلام: فكنت أنا تلك اللبنة).

فبه تم الأنبياء وختم المرسلون، وأرسل النبي عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب وأبا موسى الأشعري أميرين على اليمن وقال لهما: (بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا، فإني أرسلت مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله وخاتم النبيين).

وقال عليه الصلاة والسلام: (لا نبي بعدي ولا رسول).

وقال عليه الصلاة والسلام: (إني لخاتم الأنبياء عند الله وآدم لا يزال منجدلاً في طينته)، أي: كان في علم الله الأزلي أن محمداً سيظهر وهو آخر الأنبياء والرسل، وآدم لم ينفخ فيه الروح، بل كان لا يزال هيكلاً من تراب مطروحاً على الأرض، بقي مدة أربعين عاماً قبل أن ينفخ الله فيه من روحه، وقبل أن يقول له: كن بشراً فكان، ونبوة النبي عليه الصلاة والسلام خاتمة ورسالته خاتمة، وهذا معلوم من الدين بالضرورة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (خصصت بصفة، كان الناس قبلي يبعثون إلى أقوامهم خاصة وأرسلت إلى الناس عامة، وكنت خاتم الأنبياء والمرسلين) وهذه الخصائص النبوية قد تجاوزت المائتين جمعها الإمام السيوطي في كتابه (الخصائص) في مجلدين.

فقوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠] أي: لا رسول إلا بعد أن يكون نبياً، فكونه لا نبي بعده أي: لا رسول كذلك، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً؛ لأن النبي قد يكون كلف بشرع وأوحي إليه به ولم يؤمر بالتبليغ، كإسحاق ابن إبراهيم أبي النبي وأبي الأنبياء وأبي العرب عليه وعليهم جميعاً صلاة الله وسلامه.

فكان إسماعيل وهو جد النبي الأعلى نبياً رسولاً، وكان إسحاق نبياً فقط ولم يؤمر بالتبليغ، وهو جد أنبياء بني إسرائيل، أما إبراهيم الذي حاول أحفاد القردة والخنازير أن ينتسبوا إليه، ويقولون عنه: قال لنا وقال عنا وأمر بنا.

وقد قال الله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران:٦٧]، {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:٧٨] وشريعتنا تعتبر تجديداً لشريعة إبراهيم في الأصل وفي السماحة وفي اليسر، مع ما كلف الله به خاتم أنبيائه من تمامها، لتصلح لكل عربي وعجمي من عاصره ومن أتى بعده وإلى يوم القيامة.

وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:٤٠] أي: كان الله عليماً بمحمد قبل أن يخلقه، وبآدم قبل أن يصنعه، وبالناس برهم وفاجرهم، كان الله جل جلاله عليماً بكل شيء، الخالق لكل شيء، المعلم لرسله ولأنبيائه ما يهدون به أنفسهم وأتباعهم من المؤمنين الموحدين.