للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وسبحوه بكرة وأصيلاً)

قال تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:٤٢].

أمرنا الله بذكره وبتسبيحه وبتمجيده وبتعظيمه في جميع الأحوال، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

وقال عليه الصلاة والسلام: (ألا أعلمكم بخير أموركم، وأرفعها عند ربكم، وأعلاها درجة في آخرتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تضربوا رقاب أعدائكم وأن يضربوكم؟ قالوا: بلى! قال: ذكر الله).

والقتال فيه ذكر الله كذلك؛ لأن المقاتل يقاتل وهو ذاكر، ويبذل حياته رخيصة إعلاء لكلمة الله، ودفاعاً عن المسلمين وعن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان.

وقال نبي الله عليه الصلاة والسلام: (إن المؤمن ستشتد حسرته يوم القيامة عندما ينسى ويترك ذكر الله في مجلس)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

وفي الحديث القدسي: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).

والمسلم إذا ذكر الله متدارساً كتابه وسنة نبيه بينه وبين إخوانه المسلمين يذكره الله في ملأ خير منه، يذكره بين الملائكة ومع الملائكة.

وذكر الله عبادة دائمة لا تحتاج إلى قبلة، ولا تحتاج إلى وضوء، ولا تحتاج إلى زمن، ولا يعجز عن ذلك مريض ولا مسافر ولا شيخ هرم ولا رجل ولا امرأة.

وقد كتب وخصص المؤلفات في الأذكار الإمام النسائي والإمام العمري والكثير منها مطبوع، وأجمعها وأكملها وأشملها كتاب (الأذكار) للإمام النووي.

فقوله: {ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:٤١]، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أيقظ الرجل أو الزوجة أحدهما الآخر ليلاً فصليا ركعتين من الليل كتبا عند الله من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات).

قال الله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:٤٢].

التسبيح: هو التعظيم والتمجيد والذكر بصفة عامة، أي: اذكروا الله يا أيها المؤمنون! ومجدوه وعظموه ونزهوه عن المثلية في الذات والصفة والأفعال، وسبحوه صباحاً ومساء، وقالوا: يشمل الصباح صلاة الصبح إلى صلاة الظهر، والمساء من الظهر إلى العصر إلى المغرب إلى العشاء، وكل من صلى هذه الصلوات في أوقاتها بأركانها وواجباتها وسننها يكون قد ذكر الله كثيراً، ولكن الذكر لا وقت له كما قاله ابن عباس، والصلوات تنتهي بأوقاتها، ولا تعاد الصلوات إلا لحاجة أو ضرورة.

والذكر يشمل جميع أنواع العبادات، يشمل الذكر: لا إله إلا الله، والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

فقوله: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:٤٢]، الأصيل: العشي مفرد آصال، والبكرة بداية اليوم، وكما في الحديث (بورك لأمتي في بكورها) جمع بكرة.

والبركة في البكور والصباح وقت العبادة ووقت الذكر إلى شروق الشمس، فصلاة الضحى، ثم بعد ذلك يذهب كل إلى عمله، سواء كان يدوياً أو فكرياً أو أي شيء كان هذا العمل، وقد يكون العمل إذا كان لله ذكراً؛ لأن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قد حضا على العمل الصالح، فالعمل الصالح هو ما صحبته نية صالحة، حتى إن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أيأتي أحدنا شهوته فيكون له بذلك أجر؟ قال له النبي عليه الصلاة والسلام: أرأيت لو وضعها في حرام هل يكون عليه وزر؟ قال: نعم، فقال عليه الصلاة والسلام: كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر).

وإذا صحبت النية المباحات تتحول إلى عبادات، فمن أكل ليقوى على ذكر الله، ومن سافر ليعتبر ويتفكر في خلق الله في مشارق الأرض ومغاربها يكون ذاكراً لله، وهكذا قل عن جميع أنواع العبادات.