للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله)]

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥]، خطاب لكل الناس: يا أيها الملوك والجبابرة والطغاة، يا أيها الأغنياء والفقراء، يا أيها الكافرون والمؤمنون، يا أيها الرجال والنساء، {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر:١٥]، كلنا فقراء إلى الله لأن يحيينا فقراء لأن يكسونا فقراء لأن يرزقنا فقراء لأن يصح أبداننا فقراء لأن يكرمنا بالإيمان فقراء له في كل شيء، وما يملك فينا من يملك ولو ملك الدنيا فإنما هو تملك عارية فحسب، قد ملك اسكندر المقدوني الدنيا يوماً، وقد ملك سليمان ما استطاع به أن يطير في الأجواء على السجاد، ويستخدم الجن والحيوانات والطيور ومع ذلك ذهب بمفرده وبقي الجن لله والإنس لله والفضاء لله، وكل خلق الله لله.

كل الناس فقراء إليه ذوو حاجة لفضله ولرزقه ولعطائه ولرحمته، ومن يدعي منهم سوى ذلك فهو كاذب، أين من بنى وشيد؟ أين من قال يوماً: أنا ربكم الأعلى؟ ها هي جثته مومياء بين موميات آثار مصر، بقيت لمن خلفه آية، لا يملك حتى جسد، أين من ادعى أنه رب شريك لله يخلق ويرزق ويعطي ويمنع؟ كذب على نفسه والله، بل الكل فقير إلى الله، وهذا مشاهد لا ينكره حتى الكافر ولو أنكره فإن العقل والسمع والبصر يرد عليه، والكفار حالهم كما قال الله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:١٧٩]، فهم أضل من الحيوانات بكل أشكالها، إذ كيف يمكن إنكار الله جل جلاله؟! أينكر قدرته وحكمته؟ وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ولذلك كان هؤلاء للحيوانية أقرب، بل الحيوانات أعقل منهم، فالحيوانات تدرك وتعقل وتملك الشعور بوجود الخالق الإله وهي فقيرة إليه، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٤]، ثم نعت نفسه أمام فقر عباده فقال: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥]، الله هو الغني غنىً مطلقاً، لم يحتج ولن يحتاج إلى أحد من خلقه والكل محتاج إليه، قد كان سبحانه ولا كون ولا زمن، فهو مكون الزمان وهو مكون الإنسان وهو مكون الأكوان، وهو خالق كل شيء، كان ولا شيء معه، وسيبقى ولا شيء معه، وهو على ما كان عليه جل جلاله، هو الغني عن عباده بل عن جميع خلقه، الحميد المحمود يحمده كل خلقه، هو رازقهم وهو محييهم، وهو معطيهم ومعافيهم، له كل أنواع المحامد، ونسبة الحمد للإنسان إنما هو استعارة وحمد نسبي.