للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم)]

قال تعالى يسلي نبيه ويصبره ويعزيه: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر:٢٥].

أي: لا تبتئس يا محمد ولا تحزن، تلك سنة وطريقة الأنبياء قبلك، فقد أرسلوا إلى أقوامهم وكذبوا كما كذبك قومك، فكما كذبك الناس من المشارق والمغارب ممن لم يؤمن بك، كذلك الذين من قبل أمتك كذبوا أنبياءهم، ولم يطيعوا أنبياءهم إلا قليل منهم، مع ما جاءتهم به أنبياؤهم من بينات ومعجزات واضحات، ومع ذلك لم يؤمنوا بهم لا بمعجزة ولا بغير معجزة ولم يصدقوهم، بل أبوا إلا البقاء على الكفر ودين الآباء من عبادة الأوثان والأحجار والأصنام والشرك بالله، {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [فاطر:٢٥] بالدلائل الواضحات، والمعجزات الدالة على صدقهم، والدالة على صدق ما يقولون، {وَبِالزُّبُرِ} [فاطر:٢٥]، الزبر: جمع زبور وهو الكتاب، ومنه: زبور داود، أي: الكتاب الذي أرسل به داود، وعلى كل فقد كفروا بالأنبياء وبمعجزاتهم وكفروا بالكتب المرسلة عليهم، كفروا بصحائف إبراهيم، وبزبور داود وبتوراة موسى وبإنجيل عيسى.

ثم أردف الكتاب المنير بعد ذكر الآيات والزبر فقال: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر:٢٥].

وذكره الكتاب بعد الزبر تأكيد، فالكتاب هو: الزبر، ووصف بأنه منير، والمنير هو: النير الواضح البين بالدلائل القاطعة على أنه وحي من الله، وأنه أرسل على من قالوا: قد أرسلنا بذلك، فقد قال موسى: أرسلت بالتوراة فصدقت، وقال عيسى: أرسلت بالإنجيل وصدقت، وقال داود: أرسلت بالزبور وصدقت، وقال إبراهيم خليل الرحمن: أرسلت بصحائف وصدقت، ولكن أولئك كذبوهم كما كذبك هؤلاء، فلا تبتئس ولا تحزن، فلست مكلفاً بهدايتهم وإنما أمرت بتبليغهم {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل:٣٥].

{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٧٢].