للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قالوا إنا تطيرنا بكم)]

فعندما عجزوا عن الحجة، وعن الدليل على تكذيبهم: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس:١٨].

أي: قالوا: تشاءمنا بكم، كنتم شؤماً وكنتم سوءاً، وكان ذلك زيادة في الابتلاء والاختبار، فقد أصيبوا بالقحط منذ أن جاءوهم، وحبست السماء خيرها، وحبست الأرض خيرها، وأصابتهم سنوات شداد، فقالوا لهؤلاء: جئتمونا مشئومين.

فقوله: ((إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ) أي: تشاءمنا بكم، فلم تأتونا بخير، ولم نر خيراً في وجوهكم وسبيلكم.

قوله: ((لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا)) أيضاً اللام موطئة للقسم، فهم يقسمون: إن لم تنتهوا عن دعوتكم لنا، وحرصكم على إيماننا، وحرصكم على ترك الأوثان التي نعبدها: ((لَنَرْجُمَنَّكُمْ) أي: يضربونهم بالحجارة حتى الموت، ويقتلونهم بأشد العذاب.

قوله: ((وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)) يقسمون أيضاً باللام الموطئة للقسم، (ليمسنكم)، أي: سيصيبونهم بأنواع من العذاب الأليم؛ رجماً وضرباً وإيذاء وجراً، وكل هذا قد ذكر، فأجابهم الرسل الثلاثة: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس:١٩].

أي: شؤمكم معكم، فكفركم وعبادتكم للأصنام هو الشؤم، فبلاؤكم جاء منكم وليس منا، فنحن جئناكم بالإيمان والسعادة ورضا الله والجنة، والذي تعيشون فيه من عبادة الأوثان والكفر بالله والإشراك به؛ هو الذي كان شؤماً عليكم، فهو أعظم الشؤم الذي حبس عنكم المطر من السماء، وحبس الإنبات من الأرض.

((أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ)) أي: أتهددوننا بالرجم والقتل والعذاب الأليم بسبب أننا وعظناكم، فذكرناكم بالله، ودعوناكم إلى عبادته، فكل هذا اعتبرتموه مصيبة وجريمة، حتى الدعوة إلى الله لم تقبلوا سماعها، ولم تستجيبوا لها، فهذه عادتكم، أما أن تعاقبونا بالرجم والعذاب الأليم فهذا شيء عظيم.

فقوله: ((أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ)) أي: أتفعلون هذا لمجرد أنكم ذكرتم بالله، ووعظتم بدين الله، ودعيتم إلى عبادة الله الواحد، وترك الأصنام والأوثان؟! قال تعالى: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس:١٩].

بل: إضراب عن القول الماضي، أي: لا تطير ولا طيرة، ولكنكم مسرفون؛ مسرفون في الشرك والظلم والجرائم والإيذاء لرسل الله وعباده المكرمين.