للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ما كان لي من علم)]

قل: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص:٦٩].

أي: ليس لي علم بالملأ الأعلى، وهم الملائكة في السماوات العلا، فلست أدري بذلك لا أنا ولا غيري من سكان الأرض.

{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص:٦٩] أي: اختصام الملائكة، والملأ الأعلى هم الملائكة الأشراف والسادة.

وليس لأحد من الخلق علم بالملأ الأعلى، إذ إن ما بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة عام، وبين كل سماء مع السماء التي فوقها ما بين السماء والأرض، ومع ذلك فقد أخبر نبينا بخبر الملائكة وبمحاورتهم، وبمذاكرتهم، فيما قصه الله علينا، قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:٣٠]، فعندما أخبرهم الله بأنه سيخلق خليفة في الأرض وهو آدم ليعبده، وتعبده ذريته وأبناؤه، قال بعض الملائكة: كيف يكون ذلك يا ربنا! وهم يسفكون الدماء، ويظلمون ويفسدون في الأرض؟! فهذا معنى الاختصام.

وقد قال المفسرون هو خصام من حيث الأخذ والعطاء، وإلا فمن الذي يخاصم ربه ولكنها محاورة ذكرت بلفظ الخصام، فحاوروا ربهم وذاكروا ربهم عندما أخبرهم بأنه جاعل في الأرض خليفة، فقالوا له: (أتجعل فيها) وهذا استفهام ولم يكن إنكاراً، معاذ الله! فملائكة الله معصومون.

إنما هي خصومة من حيث القول، ومحاورة من حيث الواقع، فيقول نبينا ما علمه الله أن يقول: {مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص:٦٩]، فلم يكن له علم بما حصل بين الله وملائكته، وبين الله وإبليس من مخالفة ومن خروج عن الحق واستعلاء وتكبر.

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بما لا يفهم، فقد نزل عليه الكتاب الواضح البين وبينه ووضحه، وما سنته إلا بيان وشرح وتفسير لكتاب ربنا المنزل عليه، قال تعالى: {إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [ص:٧٠]، فالنبي عليه الصلاة والسلام عبد الله كواحد منكم، ولكن الله اختاره للنذارة وللرسالة وللنبوءة.