للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين)]

قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات:١٥].

أي: ظاهر بين، هكذا يدعي الكافر ليجد مع نفسه ومع هواه ومع نزواته جواباً على كفره وتبريراً لكفره، وما هي إلا اللعنة واستيلاء الشيطان على قلبه وعلى عقله، وعلى مكان الموعظة من قلبه، فهو لا يزداد في الله إلا كفراً.

ومن هنا قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

لقد أرسل نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق ليؤمنوا بالدليل العقلي، وبالبرهان الفطري، وبالفهم والتفهم الذي يعود على الإنسان بالخير ويعقل عقله، ولكن ترى أقواماً لا تفيد فيهم موعظة، تقول: قال الله، فيهزءوا، تقول: قال رسول الله فيعرضوا، هؤلاء لا ينفع فيهم إلا السلطان والسيف.

ومن هنا نزلت الحدود، ونزل الجهاد، فللسارق قطع يده، وللزاني الجلد أو الرجم، وللكافرين السيف إذا رفضوا الإسلام ودفع الجزية وهكذا.

فلذلك جاء الإسلام بالقلم، جاء بالعلم والوحي والمعرفة كما أنه جاء بالسيف، وكان أول ما نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام: العلم بالقلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق:١ - ٤].

وقد أقسم الله بالقلم فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:١]، ولكن أقواماً لا تفيد فيهم موعظة، صعد الران على قلوبهم، فهؤلاء لهم السيف؛ لأنهم إذا لم يؤدبوا، إذا لم يعاقبوا، إذا لم يجاهدوا فسينشروا الفساد والفواحش في الأرض، فلا يردع هؤلاء إلا القوة؛ ولذلك الإسلام جاء بالعلم وبالمعرفة لأهل القلوب التي تقبل الموعظة، كما جاء بالسيف الغليظة للقلوب المغلقة التي صعد عليها الران، التي لا تقبل موعظة من قوله تعالى، ولا من قول رسوله صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث الصحيح الوارد عن جماعة من الصحابة في الصحاح والسنن: (والذي نفس محمد بيده! لا تقوم الساعة حتى يبلغ هذا الدين مبلغ النجم)، وفي رواية: (حتى يبلغ هذا الدين مبلغ الليل والنهار حتى لا يبقى بيت مدر ولا حجر إلا دخله؛ بعز عزيز، أو بذل ذليل)، إما أن يسلموا فيعزوا، أو يذلهم فيؤدون الجزية له عن يد وهم صاغرون، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

والنجم موجود في الأرض كلها، وحيث يبلغ الليل، والليل يظلم على الأرض كلها، والإسلام لن تقوم الساعة حتى يعم الأرض مشارقها ومغاربها، وجميع قاراتها، وهذا آت لا محالة؛ لأن ربنا قد قال ذلك، وكرره في آية كررت ثلاث مرات في سورة التوبة، وسورة الفجر، وسورة ص، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:٣٣]، ليكون غالباً، ليكون قاهراً، ليرتفع بهداية الله وحده دون جميع الأديان السابقة، فيظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً ولو كره المشركون.