للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولقد مننا على موسى وهارون)]

قال تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات:١١٤ - ١١٨].

امتن جل جلاله وتكرم وتنعم على موسى وهارون، كانت هذه المنة بأن جعل موسى نبياً رسولاً، وبأن جعل هارون نبياً رسولاً، وكان هارون رسولاً نبياً بطلب من أخيه، قال تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:٢٩ - ٣٢]، ولذلك قالوا: لا يوجد أخ في الدنيا قدم لأخيه كما فعله موسى لهارون، طلب له النبوءة والرسالة فاستجاب الله له.

قال: (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) نجاهما الله كما نجى قومهما، وأنقذهم ونصرهم وأذل أعداءهم.

والكرب العظيم: ما عاشه بنو إسرائيل تحت فرعون وهامان من الذل ومن الاستعباد، ومن الاستخدام في أرذل الأعمال، مع الهوان والتحقير والإيذاء والبطش، ومع قتل شبابهم وسبي نسائهم، ولذلك سمى الله ذلك: الكرب العظيم، أي: البلاء والشدة والمصيبة العظيمة، وتنوع العذاب من الخدمة إلى الاستعباد إلى القتل إلى كل ما لا يرضى به إنسان، فهو قد امتن أولاً بالرسالة والنبوة.

ثم قال: (وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) نجاهم من فرعون، ونجاهم من هامان، ونجاهم من الأقباط حيث كانوا يظلمون بني إسرائيل، وأنجى قومهما من بني إسرائيل، فأخرج بني إسرائيل من مصر وأخرج معهم جميع أموالهم، ومع ذلك بعد أن أنجاهم الله وأنقذهم أبوا إلا الكفر، فذهبوا يعبدون عجلاً صنعوه من ذهب، وخرجوا على هارون وكادوا يقتلونه، فبقوا في التيه أربعين عاماً.

{وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الصافات:١١٦].

نصر الله موسى وهارون، ونصر قومهما فكانوا هم الغالبين، والمعركة كانت شديدة وكانت حامية بين بني إسرائيل والأقباط، فأذلوا من أذلوا، وقتلوا من قتلوا، وتملكوا من تملكوا، وأخذوا مال من أخذوا، إلى أن أنقذهم الله بنبيين منهم: موسى وهارون، وأنقذ موسى وهارون كذلك من بلاء القبط وفرعون وهامان، إلى أن انتصروا عليهم، وخرجوا من بلادهم وأخذوا أموالهم، وغرق فرعون وجنده أذلاء مقهورين مغلوبين على أمرهم.

ولم يقدر ذلك بنو إسرائيل، بل بعد أشهر ارتد منهم من ارتد، وجاء السامري فجعل لهم عجلاً جسداً له خوار، وقال لبني إسرائيل: هذا إلهكم وإله موسى، وجعل فيه حيلة، فقد ثقب من دبره إلى فيه، ثم وضعه في مجرى الريح والهواء، فصار الهواء كلما دخل من فمه أحدث صوتاً، وحدث هذا لما ذهب موسى للقاء ربه في جبل الطور، وهكذا أصبحوا وثنيين مرة أخرى، فعوقبوا بأن تاهوا في الصحاري أربعين سنة.