للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإن إلياس لمن المرسلين)]

ثم عاد ربنا جل جلاله يقص علينا قصة إلياس مختصرة لما يوجد فيها من العبرة، وغالب هذه القصص مطولة وردت في سورة الأنبياء.

قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات:١٢٣ - ١٢٦].

يقول الله لنا: كما أن نوحاً وإبراهيم وموسى وهارون أنبياء لله مكرمون، كانوا صادقين عندما جاءوا أقوامهم يدعونهم إلى الله ويقولون لهم: إنا أرسلنا من ربنا إليكم ندعوكم لعبادته وترك الشركاء معه، كذلك إلياس من المرسلين.

يقول الله تعالى: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي: إن إلياس كذلك من رسل الله الذين أرسلهم الله إلى أقوامهم، فقد أرسل الله إلياس إلى قومه طائفة من الناس، قالوا: أرسله إلى قرية بعلبك، ولا تزال آثار هذه القرية وأجزاء منها إلى اليوم، مع أنه قطعت أقطار المسلمين وجزئت أحزاباً وشيعاً وسميت لبنان، وليس كل ذلك إلا أرض الشام، فلبنان وسوريا وفلسطين والأردن والجزء الآخر الذي يحتله إخوة القردة والخنازير كل ذلك أرض الشام، فالاسم سوريا وضع من قبل الأقليات الكافرة بالاتفاق مع المستعمرين، وإلا فسوريا هو اسم روماني، سماها بهذه التسمية هرقل، وذلك حين طرده عمر والصحابة رضوان الله عليهم عندما دخلوا الشام فاتحين، فخرج هرقل ووقف على أبواب الشام وقال: سلام يا سوريا! سلام الأبد، سلام مودع، ومنذ ذلك اليوم أصبحت تسمى بأرض الشام، كما كانت تسمى عند العرب القدامى.

وما لبنان إلا اسم من جبل، وكذلك الأسماء التي وزعت على شيع وأحزاب، كل ذلك جزء من أرض الشام، وجزء من أرض الإسلام، والإسلام لا يعترف إلا بأمة واحدة ودين واحد ونبي واحد ورب واحد، وإنما هذه الأجزاء جاءت بسبب الظالمين السابقين وأعداء الله المستعمرين، وبعلبك وصفوها بأنها قرية في غرب الشام، قالوا: إن إلياس أرسل إليهم، وأكثر الأخبار عن الأنبياء هي أخبار عن بني إسرائيل، لكن لم تصدقه آية قرآنية، فيبقى ذلك كلاماً يقال ولا يعتمد عليه.

وقد كان قوم إلياس يعبدون صنماً اسمه بعل، وقيل: إنه اسم امرأة، وقيل: اسم رجل.

قال إلياس: يا قومنا ألا تخافون الله؟! ألا تتقونه؟! ألا تجعلون وقاية بينكم وبين غضبه وعقابه وعذابه، بأن توحدوا الله، وتؤمنوا به، وتتركوا أوثانكم وأصنامكم، فاتركوها وانبذوها فإنها لا تضر ولا تنفع؛ ولذلك قال لهم: (أَلا تَتَّقُونَ).

وقوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي: أتعبدون بعلاً، والدعاء هو العبادة؛ ولذلك ورد في الحديث النبوي: (الدعاء مخ العبادة).

فقوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) أي: أتعبدون هذا الصنم المسمى (بعل)، والبعل في لغة العرب: الزوج.

قال تعالى: (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) أي: وتتركون عبادة أحسن الخالقين، وأحسن هنا بمعنى: حسن، وليست على باب التفضيل الذي يقتضي المشاركة والزيادة، فالبعل صنم لا يضر ولا ينفع ولا يوازن، لا في زيادة ولا في أفضلية، ولكن التعابير العربية كذلك، وبلغة العرب نزل القرآن الكريم وبلهجة قريش خاصة.

فقوله: (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) أي: أتدعون الخالق الحسن الحق، أتتركون الخالق لكم وللبعل، ولكل ما يوجد في الكون، فالكل خلق الله، والكل عبد الله، والكل آت لله عبداً.

قال تعالى: (اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ).

فبأحسن الخالقين هو الله جل جلاله، بل هو القابض المنفرد بالحسن والخلق، والقدرة، والوحدانية، وكل ما يذكر في الأصنام من ضر ونفع إنما هي كذب وزور وأسماء سماها هؤلاء وأخذوها واخترعوها، ما أنزل الله بها من سلطان، فهو يدعوهم إلى ربهم ورب آبائهم الأولين السابقين من آباء وأجداد وأمهات وآباء، فهو ربنا ورب آبائنا وهو رب الخلق كلهم، ورب من في السماوات ومن في الأرض وما بينهما.