للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأبصرهم فسوف يبصرون)]

قال تعالى: {وَأَبْصِرْهُم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات:١٧٥].

أي: أبصر عذابهم وترقب، فسينتقم الله لك وينصرك عليهم كما نصر إخوانك الأنبياء السابقين، فترقب عذابهم، وترقب بلاءهم، وستبصر ذلك بعينيك وسيبصرون كذلك ما ينكرونه، وسيرون العذاب محيطاً بهم، وسيرون أنفسهم مشردين أسرى، بين قتيل وجريح وطريح، إلى أن تفتح مكة وتعلن فيها كلمة الله كما كان ذلك أيام إسماعيل رسول الله، وأبيه إبراهيم رسول الله وخليله.

فقوله: {وَأَبْصِرْهُم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات:١٧٥]، السين وسوف: للمستقبل وللتربص، (السين): للتقريب، و (سوف): للانتظار البعيد، وقد رأوا ذلك بعد سنوات من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة المنورة، ثم لم يقل رسول الله: بل الرفيق الأعلى حتى كان الإسلام قد وطد أركانه وثبت أوتاده، وعلمه الجاهل قبل أن يعلمه العالم.

وما كاد عليه الصلاة والسلام يذهب إلى الرفيق الأعلى حتى خرج الأصحاب في خلافة أبي بكر بداية، ثم في خلافة عمر نهاية، من الجزيرة ناشرين دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، وما كادت تتم خمسون سنة من نزول الوحي حتى كان الإسلام قد عم المشارق والمغارب، ودخل أوروبا وفرنسا، وهو شيء لم يشهد نظيره التاريخ، وبقي الناس في عجب وإلى يومنا هذا كيف انتصر الإسلام بهذه السرعة مع وجود دولتين عظيمتين عاصرتا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وكذلك عاصرتا أبا بكر وعمر، حتى أصبحتا ولاية إسلامية يحكمها المسلمون، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا فارس بعد فارس، ولا كسرى بعد كسرى)، وكان ذلك من معجزات المصطفى صلى الله عليه وسلم وإخباره بالغيب.

بل طرد الروم من المشارق إلى أوروبا، إلى أن أخرجوا في القرن الثاني من القسطنطينية، وأصبحت تسمى: دار الإسلام أو (استانبول)، وبقيت على الإسلام إلى يومنا هذا، وقد حاول أن ينصرها من ينصرها من اليهود ومن الصليبيين، ولكن مع ذلك أبت إلا العودة إلى الإسلام.